تطوّرت الصالحيّة اعتباراً من القرن الثاني عشر للميلاد من تجمّع سكنيّ صغير للنازحين الفلسطينييّن إلى أن أصبحت مدينة متكاملة بأسواقها ودور عبادتها ومدارسها وحمّاماتها تفصل بينها وبين دمشق بعض من أخصب بساتين الغوطة.
استمرّ هذا الوضع قائماً حتّى القرن التاسع عشر وكان التنقّل من دمشق إلى الصالحيّة وبالعكس يتمّ على ظهور الدوابّ أو سيراً على الأقدام. شكّلت النهاية الغربيّة لسوق ساروجا وقتها الحدّ الأقصى للعمران في أرباض دمشق قبل عبور "بوّابة الصالحيّة" التي لا تزال تعرف بهذا الاسم إلى اليوم نحو الشمال عبر "طريق الصالحيّة" إلى ما يدعى حيّ "الشيخ محيي الدين".
حلّت الأبنية محلّ المساحات الخضراء منذ أجيال وشقّت بينها الطرقات التي تجتازها السيّارات والحافلات دون انقطاع وبإمكان قاصد المهاجرين أو الصالحيّة أو ركن الدين في عصرنا الوصول إلى بغيته عبر العديد من الشوارع يختارها حسب ضغط السير ووسائل المواصلات المتاحة العامّة منها والخاصّة.
ماذا عن العهد المملوكي وما سبقه؟
أقتبس هنا ما كتبه المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget قبل حوالي ثمانين عاماً في مجلّة الدراسات الشرقيّة:
تعيّن على الطرقات التي تربط بين دمشق من جهة والصالحيّة من جهة ثانية أن تعبر جسوراً على نهر ثورا ولم يتجاوز عدد هذه الجسور الإثنين:
الأوّل هو الجسر الأبيض أو ببساطة الجسر الذي يتّجه صوبه طريق الصالحيّة.
الثاني هو جسر كحيل (*) المندثر وإن استطعنا الاستدلال على الموقع الذي شغله عن طريق الأوابد التي أجاطت به: المدرسة البدريّة والتربة الحافظيّة والمدرسة الشبليّة والخانقاه الشبليّة والتربة القيمريّة.
يقدّم العدد الكبير لهذه الأوابد براهيناً كافية عن اهميّة هذه الطريق وكم كانت مطروقةً.
أخيراً أضاف الدكتور قتيبة الشهابي في معجم دمشق التاريخي أنّ جسر كحيل "كان في الصالحيّة وعرف فيما بعد بجسر الشبليّة نسبة للمدرسة الشبليّة بجانبه عند دوّار الميسات اليوم".
(*) كحيل (بضمّ الكاف وفتح الحاء ومن الواضح أنّه يقع إلى الشرق من الجسر الأبيض).
قتيبة الشهابي. معجم دمشق التاريخي.
Jean Sauvaget. Décrets Mamelouks de Syrie. Bulletin d'Études Orientales Année 1932 Tome II Fasc. I.
No comments:
Post a Comment