اندثرت هذه الدار قبل قرن من الزمن ومحيت من ذاكرة دمشق رغم أنّها كانت واقعة في عقدة مواصلات كانت ولا زالت معروفة ومطروقة ألا وهي منطقة الجسر الأبيض شمال المدرسة الماردانيّة مباشرة. جمع المعلومات عن الإسعرديّة أشبه ما يكون بأحجية الكلمات المتقاطعة وما توصّلت إليه بالنتيحة هو الآتي:
بناها عام ٨١٧ للهجرة (١٤١٤-١٤١٥ للميلاد) الخواجا إبراهيم الإسعردي الذي كان تاجراً في دمشق. وافت المنيّة الواقف عام ٨٢٦ (١٤٢٢-١٤٢٣ للميلاد) ودفن في مدرسته.
تعود الصورة الوحيدة المتوافرة للمدرسة على علمي (بالأحرى لجملونها الذي يبدوا وراء مئذنة الماردانيّة) لعام ١٨٩٩ وهي عن Oppenheim (الرابط أدناه).
عاينها الألمانيّان Wulzinger & Watzinger عام ١٩١٧ وتركا لنا خارطة للمنطفة نشراها في كتابهما عن دمشق الإسلاميّة عام ١٩٢٤ وعليه نرى (من الجنوب إلى الشمال أي من يمين الناظر إلى يساره) ليس فقط حمّام الجسر (أو حمّام عبد الباسط المملوكي: هدم في نهاية ستّينات القرن الماضي وأذكر ضبابيّاً بقاياه قبل الهدم) والمدرسة الماردانيّة وإنمّا أيضاً المخطّط الوحيد في حوزتنا لدار القرآن الإسعرديّة بما فيه المسجد والتربة وبيت الإمام. تواجد في المنطقة قديماً (غرب الماردانيّة والإسعرديّة) الخانقاه العزيّة والخانقاه الباسطيّة.
هدمت الأوقاف هذه المدرسة العريقة في العهد الفيصلي وفي عام ١٩٣١-١٩٣٢ شيّدت نفس الدائرة بناءّ في حديقتها الخارجيّة واستحوذت البلديّة على الباقي.
هل بقي منها شيء ما؟
درس البناء باستثناء نقش كتابيّ بالخطّ المملوكي النسخي طوله ٤١٥ عشير المتر وارتفاعه ٣٢ عشير المتر حقّفه الأمير جعفر الحسني ونشره في "دليل مختصر لمقتنيات دار الآثار الوطنيّة بدمشق" (مطبعة المفيد عام ١٩٣٠). يفترض أنّ الأصل موجود في المتحف الوطني (من الواضح أنّه كان موجوداً قبل تسعين عاماً) أمّا نصّ الكتابة فهو الآتي عن Jean Sauvaget ومقال نشر عام ١٩٣٢ في مجلّة الدراسات الشرقيّة:
بسم الله الرحمن الرحيم. رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطان الملك العادل أعلاه الله وشرّفه ونفذ بإبطال ما تجدّد من المظالم بسبب فريضة القتلاء على الحارات ولا يؤخذ من أهل المحلّة التي قتل فيها قتيل فريضة ولا مالاً ولا مظلمة ومنع من يتعرّض إلى ذلك من غير تجديد مظلمة وملعون من يجدّد ذلك بتأريخ العشرين من جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة (*)
طومان باي
(*) الموافق ١٥٠٠-١٥٠١ للميلاد. من الواضح أنّ الكتابة ليست نصّاً تأسيسيّاً بل مرسوم يمنع إنزال عقوبة جماعيّة بأهل الحيّ إذا قتل إنسان ضمن حيّهم.
أخيراّ استنتج Sauvaget من خلال التمحيص عبر ما تبقّى من أنقاض المدرسة أنّ الطراز ينتمي فعلاً للقرن الخامس عشر وأنّ المدرسة (دار القرآن) قيد الحديث هي الإسعرديّة بالتأكيد.
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩
Jean Sauvaget. Décrets Mamelouks de Syrie. Bulletin d'Études Orientales Année 1932 Tome II Fasc. I.
No comments:
Post a Comment