Friday, April 30, 2021

الفنّ العثماني في الشام: وجهة نظر

 


نقلت في منشور سابق رأي المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget في الفنّ المملوكي في دمشق خصوصاً وكيف اعتبره - بالمقارنة مع سلفه الأيّوبي -  تبعيّة للنماذج القاهريّة وانحطاطاً. نأتي اليوم إلى ما كتبه في نفس المقال عن دخول الفنّ العثماني إلى سوريّا. الأسطر التالية تعريب مع حدّ أدنى من التصرّف ويمكن للمهتمّين الرجوع للنصّ الأصلي في الرابط الملحق. 


تغيرّ النظام السياسي بغتةً في أعقاب الفتح العثماني لبلاد الشام عام ١٥١٦ وأصبحت سوريّا منذ ذلك الحين فصاعداً أحد مكوّنات إمبراطوريّة شاسعة لا تزيد أهمّيتها فيها عن أي من سائر أقاليم الإمبراطوريّة كالبوسنة والجزائر على سبيل المثال (*). لم يكن الأسياد الجدد معنييّن بشخصيّة الشعوب التي أخضعوها وكانوا مليئين بالاحتقار للعرب وفرضوا أنفسهم عليهم من الأعلى دون المشاركة في حياتهم (**) محافظين بذلك على هويّتهم التركيّة وبناءً على ذلك اتّبع الفاتحون زيّ الروملّي في الأبنية التي شيّدوها. 


من العوامل التي سهّلت هذا الظهور المفاجئ لفنّ القسطنطينيّة حالة الانحطاط التي تفشّت عبر مختلف المهارات التقليديّة آنذاك إذ وجدت الحرف المحليّة نفسها عاجزة عن الصمود في وجه الهندسة المعماريّة الدخيلة الشابّة والمتمكّنة من نفسها. فرضت العمارة الجديدة نفسها عن طريق تفوّقها التقني وليس فقط بإرادة الباشاوات. 


إذاً لدينا الآن فنّ إمبراطوري وأصبحت سوريّا مجرّد إقليم من أقاليم الفنّ التركي. 


بنيت جوامع - على غرار اسطمبول - مكوّنة من قاعة مربّعة تتوّجها قبّة وحيدة ويتقدّمها رواق مسقوف وأصبح لدينا مجمّعات كبيرة تدعى عمارة تشمل جامعاً وحجرات للدراويش والتلاميذ ومطابخ ومطعم توزّع فيه الأغذية على الفقراء. بنيت هذه المجمّعات في الهواء الطلق وزيّنت بحدائق وأشجار كما لم تعرفه الشام سابقاً أمّا عن العمارة فقد استخدمت فيها بشكل مدروس وممنهج القباب المحمولة على مثلّثات كرويّة pendentif (على نمط آيا صوفيا) التي أعطى تكرارها للآبدة مرونة جديدة. أدخلت أيضاً أساليب حديثة في العقود والمآذن النحيلة الطويلة الأشبه ما تكون بقلم الرصاص والمقرنصات الصغيرة المكوّنة من سطوح مستويّة شديدة الجفاء تركيباً وتنفيذاً. 






الصورة القديمة عن Wulzinger & Watzinger تعود لعام ١٩١٧ وهي مع الحديثة (عن العلبي) للتكيّة السليمانيّة أحد أروع الآثار العثمانيّة في دمشق. 



(*) كلام مبالغ فيه إلى أبعد الحدود. تتمتّع دمشق بأهميّة حيويّة نظراً لمرور طريق الحجّ من القسطنطنيّة فيها وقربها من مركز الإمبراطوريّة ناهيك عن مكانتها التاريخيّة والدينيّة. 

(**) هذا التعميم تنقصه الدقّة. هناك عدد لا بأس به من العائلات الشاميّة من أصول تركيّة أو مختلطة. 





أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩


وجهة نظر في الفنّ المملوكي







Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924.

No comments:

Post a Comment