Saturday, April 24, 2021

بلاط الشهداء


 

نشرت هذه القصّة المصوّرة في العدد ٤٢ للعام ١٩٦٩ (٢١ تشرين أوّل) من مجلّة تان تان البلجيكيّة. القصّة بالفرنسيّة كتبها Yves Duval وصوّرها الفنّان Sidney وهي بالطبع موجّهة لليافعين (حسب دعاية المجلّة "الشباب من سنّ ٧ إلى ٧٧ وقد يبدوا هذا رقماً قياسيّاً إلى أن تنذكّر أنّ مجلّة سمير المصريّة في الستينات كانت تتباهى بأنّ أعمار قرّائها تتراوح من ٨ إلى ٨٨ !!). 

القصّة منحازة بالطبع ومن المسلّي المقارنة بينها وبين ما يدرّس لأطفالنا عن بطولات وفتوحات العرب وأضيف أيضاً أنّها لا تخلوا من الأخطاء التاريخيّة الفاضحة كما سنرى. 

بطل الملحمة الأمير Charles Martel والبداية عندما شرع "طرفا هلال المسلمين" بفتح "العالم المسيحي" شرقاً ضدّ بيزنطة وغرباً انطلاقاً من قاعدتهم الجديدة في شبه جزيرة إيبريا نحو جنوب فرنسا. 

لا بدّ لأي بطل من شرّير يتصدّى إليه وتجسّد هذا الأخير في شخص عبد الرحمن الغافقي "مقدّم جيوش خليفة إسبانيا" حسب المؤلّف (الخليفة وقتها كان في دمشق ولكن ما علينا) الذي أغار على Bordeaux حيث استمات المدافعون عنها رغم تفوّق المسلمين (أو "العرب" ولا يفرّق الكاتب بين الإثنين) عليهم عدداً بنسبة "عشرين إلى واحد". لا مفاجأة في مغالاة من هذا النوع فليس هناك مجد في النصر ما لم يكن ضدّ عدوّ أقوى إلى أبعد الحدود.



عاث الغزاة فساداً في الأرض ونرى في الصورة الثانية المرأة المذعورة تضمّ طفلها إلى صدرها وفي المشهد التالي يأمر الغافقي بقطع رؤوس الأسرى حتّى لا يتجشّم وقومه عناء "إطعام أفواه لا فائدة منها". 

صال Martel وجنوده بين Tours و Poitiers وجالوا في معركة دارت رحاها عام ٧٣٢ وانتهى بهم المطاف إلى إلحاق هزيمة شنعاء بالمسلمين وسقط الغافقي في ساحة القتال بعد إصابته بجرح قاتل وهكذا -كما ختم Duval - "أوقفت هذه المعركة اندفاع المسلمين في أوروبا مرّة وإلى الأبد". 



تعليق سريع على ما سبق: لم تحسم هذه المعركة شيئاً على الإطلاق واستمرّ المسلمون في الإغارة على جنوب فرنسا يشكل متقطّع لعدّة سنوات بعدها وكان لا بدّ لهم عاجلاً أم آجلاً من التوقّف أمام Tours أو غيرها حتّى ولو كسبوا هذا اللقاء. كانت أعدادهم لا تسمح باحتلال هذه المناطق الشاسعة إلى الأبد ناهيك عن خطوط إمدادهم وتموينهم التي طالت أكثر بكثير ممّا ينبغي (كما قال المأسوف عليه المؤرّخ فيليب حتّي مخالفاً لرأي الإنجليزي Edward Gibbon الذي اعتبر Martel "مخلّص المسيحيّة" وتبنّى نظرته كثيرون شرقاً وغرباً دون مناقشة أو تمحيص). نفس الكلام يبطبق على فشل العثمانييّن في أخذ القسنطينيّة عام ١٥٢٩ ثمّ عام ١٦٨٣ (فلنفرض أنّهم فعلوا.. ماذا بعد؟ وهل كانوا يستطيعون المحافظة عليها أم أنّهم - وهو الأغلب - سيجبرون على الانسحاب منها كما انسحبوا من هنغاريا وصربيا واليونان وبلغاريا وكثير غيرها). 

لا داعي للقول أنّ هذه القصّة لم تترجم إلى مجلّة تان تان العربيّة وهناك أمثلة عديدة على قصص مماثلة. للأمانة أشكّ أنّ الثقافة الحاليّة في الغرب تتقبّل نشر روايةً كهذه من باب اللباقة السياسيّة ليس إلّا خصوصاً مع وجود الملايين من المواطنين المسلمين في فرنسا اليوم. قصف الشرق الأدنى وحصاره وتجويعه - بمسلميه ومسيحييّه - في سبيل "الحريّة والديموقراطيّة" وما إلى ذلك من الشعارات التي أفرغت من معناها مقبول على طول الخطّ أمّا نشر كتابات من هذا النوع فمسألة فيها نظر.  







No comments:

Post a Comment