الكاتب Daniel Clarke Eddy (١٨٢٣-١٨٩٦) مبشّر أمريكي والطبعة الأولى للكتاب "Walter in Damascus" رأت النور عام ١٨٦٤. أقتصر اليوم على التعرّض للفصل الحادي عشر من الكتاب "الحمّام التركي" في سياق الحديث عن الحمّامات الشاميّة. طول هذا الفصل ١٣ صفحة لن أحاول تعريبها بالكامل مكتفياً بنقل واختزال الفقرات التي اعتبرتها بيت القصيد وهي - على عنصريّتها - لا تخلوا من الطرافة.
يستهلّ صاحبنا حديثه - لا فضّ فوه - بالقول أنّ "العرب يستحمّون كثيراً مع أنّهم شعب في منتهى القذارة". لا أعرف كيف وفّق الكاتب إلى جمع هاتين العبارتين المتناقضتين. يتابع: "ولولا استحمامهم هذا لما تمكّوا من الحياة إذ ستهلكهم حرارة المناخ وانتشار الهوامّ".
وصف الحمّام (الذي لا نعرف هويّته) صحيح عموماً كما نرى في المخطّط الملحق من نفس المصدر: تتدرّج الحرارة من ١٩ درجة مئويّة في المشلح أو - حسب المصدر - البرّاني (قمت بالتحويل من الفهرنهايت للتسهيل) إلى ٢٧ في البرّاني (أو الوسطاني الأوّل) ثمّ ٣٦ في الوسطاني (أو الوسطاني الثاني) قبل أن نبلغ الجوّاني الذي أسماه المؤلّف "الجحيم" حيث تجاوزت الحرارة مقدرة الزوّار الأمريكيين على تقديرها.
وصف البرّاني دقيق إلى درجة معقولة: البحرة التي تلعب فيها الأسماك في منتصفه والمساطب على جدرانه والقمريّات التي تتخلّلها أشعّة الشمس في القبّة. لم ير الرحّالة أي نفع للوسطاني الأوّل باستثناء تغيير درجة الحرارة.
قاد عربيّ قبح - وإن تميّز بالدماثة - شبه عار الزوّار عبر الحمّام حتّى الجحيم (أي الجوّاني) وهناك قابلهم رئيس معذّبيهم" عربي ضخم الجثّة عار" كما ولدته أمّه "ليس منفّراً تماماً ولكنّه لا يتميّز بالحاذبيّة على الإطلاق".
استلم "المسخ" ضحاياه (أي زبائنه) وأمعن في تدليكهم وقرصهم وطقطقة عظامهم ومفاصلهم وكلّما زاد أنينهم كلّما اشتدّ في تفريكهم إلى أن تسائل الناظرون عن احتمال بقاء بعض الجلد على لحمهم بعد هذا العلاج. علّق أحدهم أنّ منظر المتحّممين أصبح أشبه ما يكون بالوزّ المنتوف والمشوي.
كان وقع آهات هؤلاء المساكين أشبه بالموسيقى على آذان العربي ولا ريب أنّه قلّما حصل عى إفرنج ذوي جلود بيضاء على هذا الدرجة من الجمال ليفركهم ويغسلهم وكان بالتالي مصمّماً أن ينجز عمله حتّى الثمالة.
تماثل الزبائن بالنتيجة للعافية بعد هذه المحنة بيد أنّ استرخائهم لم يطل إذ ساقهم دليلهم إلى مغطس ماء (T على المخطّط) يتصاعد منه البخار يبدوا الخارج منه مسلوقاً. تخبّط الزبون المسكين في الماء المغلي ولكنّ الجلّاد أصرّ على غمره حتّى عينيه.
بمعجزة ما لم يمت أحد في الجوّاني وعادوا بالنتيجة إلى البرّاني حيث التفّوا بالمناشف وأتاهم الصنعيّة بالأركيلة والمشروبات.
بالنسبة للتقييم النهائي لهذه التجربة فجميع الذين اكتفوا بالمشاهدة اعتبروها تعذيباً أمّا الذين خضعوا لها فقد زعموا أنّها ترفاً. مع ذلك اتّفق الطرفان على عدم تكرارها مستقبلاً تحت أي ظرف من الظروف.
أرفق أدناه رابط الكتاب وسيرة الكاتب ومنشور سابق تعرّضت فيه للعمل عموماً.
دمشق من منظور مبشّر أمريكي في مطلع ستّينات القرن التاسع عشر
No comments:
Post a Comment