Tuesday, August 9, 2022

العدل بين الأدب العربي والمنطق اليوناني


"العدل أساس الملك" قول نسب إلى ابن خلدون ولدينا أيضاً قصّة "عمر ابن الخطّاب ورسول كسرى" التي ألهمت الشاعر المصري الكبير حافظ ابراهيم "القصيدة العمريّة" وفيها البيت الشهير:


أمنت لمّا أقمت العدل بينهم                           فنمت نوم قرير العين هانيها


القصّة باختصار أنّ رسول كسرى ذهل عندما رأى ثاني خلفاء الإسلام نائماً في منتهى الطمأنينة دون خدم ولا حرس والسبب - كما لقّنت مع العديد من أطفال المدارس السورييّن - عدل عمر بن الخطّاب الذي بلغ الكمال مّما جعله بمأمن عن الأذى وفي غنى عن الحجّاب والعسكر والحشم. 


لا أعلم ما مدى صحّة هذه الرواية من الناحية التاريخيّة وإن كنت أعلم أنّ مصير الفاروق كان الاغتيال وأنّ عثمان الذي خلفه لاقى مصيراً مماثلاً وكذلك كانت نهاية علي بعد عثمان. اختلفت الظروف والملابسات ولم تختلف النتيجة وأعتقد أنّ مصرع ثلاثة من الخلفاء الراشدين دليل فيه أكثر من الكفاية لإظهار بطلان الزعم أنّ عدل الحاكم يترجم بالضرورة إلى أمنه مع خالص الاحترام لعبقريّة وبلاغة حافظ ابراهيم. من البدهي أنّ أي حاكم له بالضرورة عدد لا بأس به من الأعداء فما بالك برأس إمبراطوريّة مترامية الأطراف فيها خليط لا نهاية له من الشعوب والقبائل والأجناس؟  رواية عمر مع رسول كسرى جميلة لا ريب في ذلك ولربّما حصلت فعلاً أمّا أن تستخلص منها أنّ عدل الحاكم يعني أمنه فهذا منافٍ للعقل. الحاكم الناجح أقرب إلى أمير Machiavelli منه إلى الخليفة المتقشّف والفتونة والبلطجة (أولاد حارتنا لنجيب محفوظ) أقرب إلى سمات القائد الناجح مع مزيج معقول من الدهاء والكياسة والمرونة. باختصار محبّة الرعيّة والجوار للحاكم أمر مرغوب ولكنّه ثانوي أمّا رهبتهم إيّاه واحترامهم له فهما بيت القصيد وجوهر القضيّة.


لكلّ رأيه ويبقى العرب أهل الفصاحة والبيان كما أنّ الإغريق أصحاب الحكمة والفلسفة. ماذا عن مفهوميّ الحقّ والعدل من منظور يوناني؟ 


فلنستبدل حافظ ابراهيم بالأثيني Thucydides مؤرّخ حرب البلوبونيز Peloponnesus (أواخر القرن الخامس قبل الميلاد) والقصيدة العمريّة بالرسالة التي خاطب بها الوفد الأثيني زعماء Melos. زبدة الرسالة أنّ إحقاق العدل ممكن فقط بين الأنداد وفحواها (وليس نصّها الكامل لتجنّب الإطالة) هو الآتي:



"من ناحيتنا لن نثقل عليكم بالكلام المعسول والحجج المنّمقة عن أحقّيتنا بالإمبراطوريّة بعد أن أطحنا بالميدييّن ولن ندّعي أننّا نهاجمكم لأنّكم آذيتمونا ولن نصدّع رؤوسكم بخطاب مطوّل لن تصدّقوه  .... أنتم تعلمون تماماً كما نعلم أنّ الحقّ في عالمنا مسألة تطرح فقط بين الأنداد أمّا القوي فسيفعل ما تمكّنه قوّته أن يفعله بينما يعاني الضعيف قدره المحتّم عليه". 


أدرج نصّ هذا القسم من الحوار بالإنجليزيّة للمهتمّين: 




For ourselves, we shall not trouble you with specious pretences- either of how we have a right to our empire because we overthrew the Mede, or are now attacking you because of wrong that you have done us- and make a long speech which would not be believed; and in return we hope that you, instead of thinking to influence us by saying that you did not join the Lacedaemonians, although their colonists, or that you have done us no wrong, will aim at what is feasible, holding in view the real sentiments of us both; since you know as well as we do that right, as the world goes, is only in question between equals in power, while the strong do what they can and the weak suffer what they must.”


― Thucydides The History of the Peloponnesian War Melian Dialogue




لا تزال ذكرى قوى مدجّجة إلى أسنانها بالأسلحة النوويّة تدّعي أنّ أمنها مهدّد من قبل دول فقيرة وضعيفة ترزح تحت العقوبات والحروب "الاستباقيّة" التي شنّتها ضدّ هذه الدول ماثلة في أذهان بعضنا. على الأقلّ كان وفد آثينا صريحاً في أهدافه الفعليّة أو هكذا زعم Thucydides.  



هناك أيضاً ما قاله جبران عن "العدل".


No comments:

Post a Comment