Saturday, August 6, 2022

الفضيلة


نقيض الفضيلة هي الرذيلة والأخيرة في عرف قول فرنسيّ مأثور وليدة البطالة: "البطالة أمّ الرذائل" أو:


L'oisiveté est la mère de tous les vices


يقابلها بالعربيّة: "رأس الكسلان مشغل للشيطان". 


للأديب الإيرلندي George Bernard Shaw رأي مماثل في مسرحيّة Major Barbara عندما حاول أبو البطلة الثريّ إقناع ابنته المتحمّسة بمثاليّة الشباب أنّ الطريق لخلاص الفقراء ليس بإعطائهم لقمة يومهم يؤدّون بعدها صلاة شكر للسماء بل بتوفير عمل يشغل وقتهم ويضمن رزقهم ورزق عيالهم. في عرف Shaw إذاً الرذيلة أو بالأحرى الجريمة الكبرى بامتياز هي الفقر. 


نأتي الآن إلى تعريف الرومان للفضيلة (كما نوّه Machiavelli في أكثر من مكان) وكما سنرى لا علاقة للفضيلة - من منظور روماني - بالحبّ والإخاء والكرم والرحمة والعفو والإحسان والبرّ والصدق والوفاء والإيثار والعفّة إلى آخر "الفضائل" لا قليلاً ولا كثيراً ولا حتّى من الناحية اللغويّة: الفضيلة Virtue مشتقّة من Virility أو الذكورة أو الرجولة Manliness (ومنه ارتباط كلمة "مخنّث" بالضعف والتشبّه بالنساء). باختصار الفضيلة هي القوّة والنصر والرذيلة بالتالي هي الضعف والهزيمة والافتقار إلى الحيلة. بعبارة ثانية كما قال أبو القاسم الشابي:


هو الكون حيّ يحبّ الحياة               ويحتقر الميت المندثر


بإمكان من يقرأ سرديّات الرومان ومن أرّخ لهم العثور على عدّة أمثلة ومنها عندما أملى القنصل الروماني Marcus Atilius Regulus "شروط المسكوب" على القرطاجييّن المهزومين وعندما رفضوها طردهم قائلاً: "عودو إلى مدينتكم أيّها القرطاجيّون واعلموا أنّ من يحسبون أنفسهم أبطالاً عليهم أن ينتصروا أو يخضعو لمشيئة المنتصر" (كتاب هنيبعل والمؤلّف جورج مصروعة). كان ذلك عام ٢٥٦-٢٥٥ قبل الميلاد وبالنتيجة قدّر للقرطاجييّن الانتصار على الرومان وأسر Regulus بعد فترة وجيزة وعاشت قرطاج بعدها مائة عام إضافيّة ونيّف قبل أن تدمّرها "فضيلة" الرومان. 


الصورة الملحقة تمثال هنيبعل في متحف Louvre للفنّان Sébastien Slodtz (١٦٥٥-١٧٢٦) ويظهر فيها البطل القرطاجيّ  "الفاضل" (حسب تعريف ألدّ أعدائه) بعد نصره في معركة كانيه Cannae منتصباً يطأ بقدميه دروعاً وأسلحةً رومانيّةً مهشّمة وفي يمناه نسر رومانيّ منكّس.      




No comments:

Post a Comment