أعني هنا المراجع الشاملة التي تبحث في حمّامات دمشق دون سواها وتتعرّض لجميع المعروف منها أو على الأقلّ أكبر عدد ممكن. هناك بالطبع ذكر متواتر للحمّامات الشاميّة في دراسات عامّة وهناك مقالات مفصّلة عن حمّامات معيّنة: لا هذه ولا تلك معنيّة في حديث اليوم.
لا يتجاوز عدد ما عثرت عليه من الكتب الشاملة عن حمّامات دمشق الإثنين: أوّلهما دراسة الفرنسييّن Écochard & Le Cœur عام ١٩٤٢-١٩٤٣ (عرّب ممدوح الزركلي ونزيه الكواكبي القسم الأوّل من هذا الكتاب عام ١٩٨٥) وثانيهما "الحمّامات الدمشقيّة" لمنير كيّال (الطبعة الأولى ١٩٦٦ والثانية ١٩٨٦). أحاول في الأسطر التالية بإيجاز ذكر ما لكلٍّ من هذين السفرين وما عليه.
كتاب Écochard & Le Cœur بسبق حائز تفضيلا ويبقى منهلاً لا غنىً عنه لجميع الدراسات اللاحقة دون استثناء خصوصاً وأنّ عدداً لا يستهان به من الحمّامات التي وصفها اندثر إلى غير رجعة منذ رؤيته النور ولا يوجد عنه معلومات يعتدّ بها في أيّ مصدر آخر. يحتوي الكتاب على خريطة مطويّة أبعادها ٦٨ في ٤٧ من عشيرات المتر تحدّد الموقع الدقيق للحمّامات ويشمل عشرات المخطّطات والرسوم الفنيّة الرائعة وإن خلا مع الأسف من الصور الفوتوغرافيّة. بذل المؤلّفان وسعهما لتصوّر المخطّط الأصلي للحمّامات التي طرأت عليها تعديلات لاحقة انطلاقاً من وضعها الراهن. الكتاب كبير الحجم واضح الطباعة وورقه من النوع الجيّد والقطع الكبير. الإخراج إذاً ممتاز وإن كان هناك بعض الهنات منها أخطاء نادرة في تحويل التاريخ الهجري إلى ميلادي. ذكر المستشرقان ستّين حمّاماً ولكنّهما تركا لنا وصفاً مفصّلاً لثمانٍ وثلاثين منها فحسب.
أعطى منير كيّال تفاصيلاً أكثر للوضع الراهن (أي كما كان في منتصف الثمانينات) وكتابه أدّق من ناحية المصطلحات الفنيّة كما أنّه درس ووصف حمّاماتٍ اقتصر البحث الفرنسي على المرور عليها مرور الكرام. سمّى كيّال الحمّامات في المصادر التاريخيّة (ابن عساكر وابن شدّاد إلى آخره) واحداً واحداً أمّا الحمّامات التي بحث في أمرها فقد صنّفها تحت بابين: الأوّل "حمّامات تخلّت عن وظيفتها" عددها ١٨ والثاني "حمّامات معاصرة" عددها ٢٠. هناك فصول إضافيّة عن طقوس الحمّام وتقاليده والأساطير المتعلّقة به وما إلى ذلك. يؤخذ على هذا العمل القيّم الغياب شبه التامّ للمخطّطات والرسوم وحتّى الموجود منها مقتبس عن المرجع الفرنسي. بالمقابل زوّدنا المؤلّف بعدد ليس بالكبير من الصور المتوسّطة الجودة بالأبيض والأسود. وصف الأستاذ كيّال دقيق للغاية ولكنّه مع شديد الأسف جافّ يصعّب مهمّة الهواة والمحترفين نظراً لغياب الخرائط والرسوم والمساقط. (كمن يحاول وصف تشريح الإنسان أو الحيوان دون الاستعانة بالصور والرسوم والمجسّمات). حتّى موقع الحمّامات ذكر سرديّاً وكان خيراً وأولى لو حدّده المؤلّف على خريطة ملحقة كما فعل زميلاه الفرنسيّان.
أتمنّى أن أرى اليوم الذي يعرّب به القسم الثاني للكتاب الفرنسي ليضاف إلى القسم الأوّل الذي عرّب قبل قرابة أربعين عاماً ويطبع الإثنان في مجلّد أنيق جدير بالمعلومات الثمينة بين دفّتيه. أتمنّى أيضاً أن تصدر طبعة ثالثة من كتاب منير كيّال أسهل منالاً للمحترفين وغير المحترفين، مزوّدةً بالرسوم والخرائط الضروريّة والصور الرقميّة الدقيقة والملوّنة لما تبقّى من هذه الحمّامات.
صورة غلاف كتاب منير كيّال لأستاذي الفنّان عيد يعقوبي.
منير كيّال. الحمّامات الدمشقيّة. الطبعة الثانية ١٩٨٦
Michel Écochard & Claude Le Coeur. Les Bains de Damas : Monographies architecturales. Imprimerie catholique 1942-1943.
No comments:
Post a Comment