Sunday, March 20, 2022

طريق المجد من الثورة الفرنسيّة إلى الثورة السوريّة

أثار منشور الأمس عن محاولة الثوّار السورييّن اقتحام قصر العظم في تشرين أول عام ١٩٢٥ استياء وسخط عدد لا بأس به من الأصدقاء والمتابعين. أتفّهم السبب تماماً وأشكر للجميع اهتمامهم وأشاركهم محبّتهم لسوريّا وغيرتهم عليها. إعادة النظر في مسلّمات ربينا جميعاً عليها ليست بالأمر اليسير ولا أرغب أكثر من غيري في قراءة ما لا يسرّ عن التاريخ السوري بيد أنّ الأمانة تقتضي ذكر ما لنا وما علينا خصوصاً أنّ الأحداث قيد النقاش جرت قبل حوالي مائة عام ولدينا اليوم في العصر المعلوماتي من المعطيات أكثر من الكفاية لتحليل ما جرى فعلاً والإحاطة بتفاصيله. 


القول أنّ الثوّار السورييّن نهبو قصر العظم وأنّ بعضهم حاول الاعتداء على من شكّو بولائهم من الأقليّات السوريّة في عهد الانتداب وأنّ نفراً من الرعاع استغلّ الفوضى الأمنيّة وسلب وقطع الطرقات لا يعني إدانة الثورة ككلّ ولا تجميل صورة المحتلّ الفرنسي الذي جزّأ البلاد إلى درجة التخلّي عن بعض من أغلى مكوّناتها لدولة مجاورة. 



فلنستعرض سويّة - على سبيل المقارنة - لمحةّ من تاريخ الثورة الفرنسيّة: لا يزال علم فرنسا إلى اليوم علم الثورة الثلاثيّ الألوان ولا يزال نشيد فرنسا الوطني إلى اليوم نشيد الثورة الشهير la Marseillaise ولا أحد ينكر مآثر الثورة من مفاهيم حقوق الإنسان وشعار "حريّة.. مساواة.. إخاء" إلى المعاهد العلميّة التي أقامتها والقوانين التي سنّتها وشرّعتها. مع ذلك لا بدّ من الإقرار بتجاوزات الثورة وهي كثيرة ولا ينكرها اليوم إنسان لا في فرنسا ولا غيرها: بعد إرسال الملك والملكة ورهط من النبلاء وحتّى العلماء والشعراء (Lavoisier و André Chénier مثلاً) إلى سكّين المقصلة بدأ الثوّار يتصفية بعضهم بعضاً وقطع رؤوس أبرز زعمائهم الواحد تلو الآخر في صراع دمويّ على السلطة. الأمثلة كثيرة وسأضرب صفحاً عنها لتجنّب الإطالة. 


تمخّضت المنافسة في النهاية عن صعود نجم Napoléon الذي احتكر مطلق الصلاحيات بعد أن رقّي (أو بالأحرى رقّى نفسه) من قنصل أوّل إلى إمبراطور. أدرك بونابارت - أو هكذا تشير الظواهر - أنّ الطريقة المثلى لإيقاف التناحر بين الفرنسييّن هي التوسّع الخارجي أو ما أسماه "طريق المجد" نقلاً عن الأديب الروسي العظيم Léon Tolstoï على لسان الأمير Andrei Bolkonsky


"لقد دللتهم إلى طريق المجد فلم يسلكوه ولكن عندما فتحت لهم ردهاتي هرعوا إليها زرافات زرافات".




"Je leur ai montré le chemin de la gloire, ils n’en n’ont pas voulu, – ce sont les paroles que l’on prête à Napoléon ; – je leur ai ouvert mes antichambres, ils s’y sont précipités en foule". 





طريق المجد فيما يتعلّق بسوريّا لا يقلّ طموحاً عن طريق نابوليون (لا داعي للتعليق على نهايته) وتلخّص اعتباراً من جلاء العثمانييّن في الاستقلال أوّلاً والوحدة العربيّة من المحيط إلى الخليج ثانياً. لا ضير من مقارنة شعار البعث "وحدة.. حريّة.. اشتراكيّة" مع شعار "حريّة.. مساواة.. إخاء" ولكلّ وجهة نظره فيما تمّ تحقيقه فعلاً من هذا الشعار أو ذاك. 


لي بالطبع آراء شخصيّة معيّنة إن لم نقل راسخة في المأساة التي تعيشها سوريّا منذ عام ٢٠١١ ولكنّها خارجة عن موضوع اليوم. 



   

No comments:

Post a Comment