Friday, March 18, 2022

فرنسا في دمشق: قصر العظم ١٩٢٥ والمجلس النيابي ١٩٤٥ بين الحقيقة والأسطورة


أصيب قصر العظم في تشرين أوّل ١٩٢٥ وبناء المجلس النيابي السوري (البرلمان) في أيّار ١٩٤٥ بأضرارٍ جسيمة يعزوها السوريّون على وسائل التواصل الاجتماعي بما يشبه الإجماع إلى عدوان فرنسي همجي قصفت قوّات الاحتلال خلاله دمشق دون رحمة أو شفقة ولا أكثر من الصور التي توثّق الدمار الناجم عن وحشيّة المستعمرين. تعرّضت إلى حيثيّات الموضوع سابقاً في أكثر من مكان ولربّما كان من المفيد الرجوع إليه مجدّداً مع المزيد من التفاصيل في محاولةٍ لفرز الوقائع عن الخيال والمبالغات. 




قصر العظم عام ١٩٢٥


ليس هناك ذرّة من الشكّ أنّ من هاجم قصر العظم في الثامن عشر من تشرين الأوّل ذلك العام هم الثوّار الذين اعتقدو - خطأً منهم - بوجود المندوب السامي الجنرال Sarail فيه. من أحرق ونهب قصر العظم آنذاك الثوّار وليس فرنسا وصور الخراب الناجم عن هجوم الثوّار عرضها الفرنسيّون قبل غيرهم. لا شكّ أنّ ردّ فعل فرنسا كان عنيفاً للغاية عندما قصفت سيدي عامود (الحريقة) وغيره ولا شكّ أنّ الفرنسييّن علّقو المشانق في ساحة المرجة على إثر الحدث وفرضو على دمشق غرامةً ضخمةً ولكن هذا وذاك كانا في سياق ردّ فعل على ما اعتبروه تمرّداً من عصابات خارجة عن القانون (ويعتبره التاريخ السوري ثورةً). 

أضف إلى ذلك أنّ قصف فرنسا للقصر منافٍ للعقل. اشترى الفرنسيوّن القصر من ٦٨ وريثاً ووريثة من آل العظم بمبلغ ٢٢٠٠٠ ليرة ذهبيّة (مليوناً ومائتيّ ألف فرنك) ولتوخّي الدقّة ابتاعت فرنسا ٢١،٤ قيراطاً من أصل ٢٤ قيراط (الباقي كان حصّة بهيّة خانم التي رفضت البيع وبناءً عليه دفعت فرنسا لها ولورثتها من بعدها أجرة حصّتها طالما دام الانتداب الفرنسي). علاوة على ذلك مدّد السيّد Eustache de Lorey الكهرباء والهاتف إلى القصر اعتباراً من عام ١٩٢٣ في إطار محاولاته لجعل البناء العريق مقرّاً موائماً للمعد الفرنسي للآثار والفنون الإسلاميّة. كلّ القرائن تشير إلى استثمار ضخم لفرنسا في القصر فعلام تقوم بقصفه؟ رأيي الشخصي أنّ الانتداب فيما يتعلّق بآثار سوريّا بالذات كان أحنّ على أوابد البلد من أهلها. 





المجلس النيابي عام ١٩٤٥


ماذا عن البرلمان في أيّار من ذلك العام؟ هنا لا جدال أنّ الفرنسييّن قصفو البرلمان ولكن هنا أيضاً لم يأت ذلك من فراغ والرواية على الوكييبديا العربيّة مملوءة بالمغالطات وأنصاف الحقائق إن لم نقل الاختلاقات (من نوع القصص التافهة أنّ الفرنسيّن تحرّشو بالأهالي وأنّ العدوان بدأ عندما رفض الدرك والشرطة تحيّة العلم الفرنسي). ما حصل أنّ قنّاصيّ الثوّار سدّدو رصاصهم من نوافذ المجلس النيابي على مقرّ الموفد الفرنسي الجنرال Oliva-Roget فردّ الفرنسيّون بالمدافع واحتلّو البرلمان وقصف طيرانهم القلعة (التي اعتصم بها العصاة) في التاسع والعشرين والثلاثين من أيّار إلى أن كبح الإنجليز جماحهم وألزموهم تحت التهديد بالتدخّل المباشر بالعودة إلى ثكناتهم (لربّما أتت تسمية شارع بريطانيا اعترافاً بجميل الإنجليز). أطلق على الشارع الواصل بين ساحة المحافظة والسبع بحرات لاحقاً تسمية شارع ٢٩ أيّار. 




ليس المقصود من الأسطر السابقة الدفاع عن فرنسا أو التقليل من شأن الثورة السوريّة بل الحقيقة التاريخيّة ليس إلّا. القول أنّ الثوّار فعلو ما فعلوه للتخلّص من المحتّل الذي دخل بلادهم رغماً عن إرادة أبنائها مفهوم وكذلك القول أنّ الغاية تبرر الواسطة وأنّ البادىء أظلم (إذا اعتبرنا البداية تمّوز ١٩٢٠ ويوم ميسلون) أمّا الزعم أنّ الفرنسييّن ضربو القصر والبرلمان لأنّهم أشرار يريدون استعباد السورييّن فهو بكل بساطة غير صحيح. 


أولويّة أي قائد جيش فرنسيّاً كان أم سوريّاً هي حقن دماء جنوده ومن السذاجة الاعتقاد أنّ القوّات المسلّحة لأي دولة لن تردّ الصاع صاعين وتستعمل كافّة الوسائل تحت تصرّفها للسيطرة على الموقف. هل ينتظر أحد من فرنسا أن تعرّي صدور جنودها وترسلهم على ظهور الخيل لمبارزة الثوّار على أرض معركةٍ من اختيارهم على غرار عنترة بن شدّاد وحمزة البهلوان وأبو زيد الهلالي؟ لا يوجد طريقة إنسانيّة للقتل والسبي والنهب لا لدى فرنسا ولا سوريّا ولا غيرهما اللهمّ إلّا في حواديت وأشعار الغزو عند العرب ودون كيشوت وروبين هود وأرسين لوبين في أوروبّا. 


ختاماً يقول المثل الشامي "يللّي بدّو يلاعب القطّ بدّو يلقى خراميشو". 




قصر العظم لمحة تاريخيّة 


عندما هاجم الثوّار السوريّون قصر العظم


قصر سيدي عامود منظور فرنسي






Renaud Avez. L'Institut Français de Damas au Palais Azem à travers les archives


Gérard Degeorge. Damas: Des Ottomans à nos jours. 1994. 

Brigid Keenan & Tim Beddow. Damascus: Hidden Treasures of the Old City. Thames & Hudson 2000.



Alice Poulleau. Damas sous les bombes. Editions Eugène Figuière, 1927




   

No comments:

Post a Comment