انقرضت الطائفة السامريّة كما رأينا باستثناء حفنة تقلّ عن الألف نسمة تحيا حاليّاً في إسرائيل أمّا تاريخيّاً فهناك مؤشّرات على تواجد أعداد لا بأس بها منهم توزّعت في الشرق الأدنى وحوض البحر المتوسّط إلى أن قمعهم البيزنطيّون والغساسنة في القرنين الخامس والسادس للميلاد على إثر تمرّدهم عدّة مرّات.
مع ذلك بقيت منهم أقليّات هامّة في معقلهم في شكيم (نابلس) ودمشق ومصر كتب عنها أستاذ الدراسات الدينيّة الدكتور Reinhard Pummer عدّة أبحاث منها مقال نشر عام ٢٠٠٥ عن الوجود السامري في دمشق تحديداً اختزلت عنه المعلومات الآتية:
لجأ السامريّون إلى دمشق عندما تعرّضوا للاضطهاد في نابلس واعتنق كثيرون منهم الإسلام بالنتيجة. وجودهم في عاصمة الشام قديم ولكنّنا لا نملك دليلاً عليه قبل القرن العاشر للميلاد ولا بعد مطلع القرن السابع عشر (من هنا الدهشة التي اعترتني عندما صادفت صوراً من مطلع القرن العشرين تركها Herzfeld لكتابات سامريّة). أضف إلى ذلك عدم وجود مصادر عربيّة تشير إلى كنيس أو كنس لهم في المدينة (ذكر ابن صصرى في "الدرّة المضيئة في الدولة الظاهريّة" الذي كتب بين ١٣٩٧ و ١٣٩٩ كنساً لليهود والقرّائين * ولكن ليس للسامرييّن) وإن انفرد الرحاّلة الإيطالي Pietro della Valle بذكر كنيس سامري في القرن السابع عشر.
لدينا معلومات عن عدد من الأحبار السامرييّن في دمشق في القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد. ازدادت أعداد السامرييّن في القرن الثاني عشر عندما أخذ حاكم دمشق نابلس وقام بترحيل العديد من سكّانها السامرييّن إلى دمشق. زار الرحّالة اليهودي الإسباني Benjamin of Tudela الشرق الأدنى في النصف الثاني للقرن الحادي عشر وقدّر عدد السامرييّن في دمشق بأربعمائة عائلة (قرابة ١٦٠٠ نسمة) وهو رقم لا يستهان به بالنسبة لمدن القرون الوسطى التي ندر أن تجاوز عدد سكّانها عشرات الآلاف. أضاف المذكور أنّ السامرييّن يعيشون في دمشق إلى جوار اليهود والقرّائين ولكنّهم لا يتزاوجون. برز بعض من الأطبّاء والفلاسفة السامريّون في دمشق أتى على ذكرهم ابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء" ويدلّ لقب "السامري" على أصلهم وإن اعتنق نفر منهم الإسلام.
هلك الكثير من سامريّي نابلس على يد المغول خلال جائحة هولاكو (بعيد سقوط بغداد عام ١٢٥٨) وسباهم الغزاة إلى دمشق.
استمرّ الوجود السامري في المدينة حتّى نهاية العصور الوسطى ومطلع الحديثة بيد أنّ أعدادهم تناقصت مع إسلام الكثيرين بينهم إلى أن ذكرت رسالة تعود إلى العام ١٦٢٥- ١٦٢٦ أنّه لم يبق منهم في دمشق إلّا رجل واحد فقير الحال أمّا الفرنسي Henry de Beauvau فادّعى وجود أربع أسر (١٦ شخص) عام ١٦٠٤. التقارير المتعلّقة بهم اعتباراً من النصف الثاني من القرن السابع عشر لا يعوّل عليها. قال أحد المؤلّفين أنّ اليهود أخذوا كنيس السامرييّن وكان لا يزال قائماً عام ١٩٢٨.
ترك لنا السامريّون عدداً من النقوش الكتابيّة العائدة إلى أواخر العهد المملوكي ومطلع العهد العثماني هي اليوم في برلين. نشر Sobernheim هذه النصوص عام ١٩٠٢ ولاحظ أنّ مصدرها ليس كنيساً وإنّما بيت للسكن وهي كناية عن مقاطع قصيرة من العهد القديم على الجدران وفي تجويف محراب. علّ صور Herzfeld من موقع Smithsonian تمثّل المحراب والكتابات المذكورة بأطرها وزخارفها أمّا عن ترجمة هذه الكتابات فلا شكّ أنّها موجودة في المراجع المختصّة.
* القرّائين Karaite ملّة من اليهود يقلّ عددها اليوم عن الخمسين ألفاً غالبيّتهم العظمى في إسرائيل ويتميّزون عن سائر أبناء دينهم باعتمادهم التوراة المكتوبة دون سواها ورفضهم التراث الشفوي الذي أضيف لاحقاً في التلمود وغيره).
No comments:
Post a Comment