Saturday, October 30, 2021

إله الخوف

 


كل عيد جميع القدّيسين وأنتم بخير. تعرّضت سابقاً إلى تحوّل هذه المناسبة إلى عيد الخوف Halloween في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإن أتى بلبوس خاصّ امتزج فيه الهلع مع الفكاهة في أزياء الأطفال التنكّريّة وطوافهم من منزل لآخر التماساً للحلوى. 


أتعرّض في هذه المناسبة إلى أحد أطرف شخصيّات الأدبيّات الشعبيّة للشبيبة الأمريكيّة ألا وهو عدوّ الرجل الوطواط Batman اللدود المدعو الفزّاعة Scarecrow وقبل الحديث عنه أذكر بسرعة بعض أشهر عتاة المجرمين الذين حاربهم الوطواط دون هوادة خلال الثمانين عاماً الأخيرة:


- مضحك Joker: علّه أكثر أعداء الوطواط شرّاً وساديّةً ومن جرائمه التي لا عدّ لها توصّله إلى شلّ الفتاة الوطواطة Batgirl التي أصبحت أسيرة كرسي متحرّك وقتل زكّور الثاني Robin أو Jason Todd.

- البطريق Penguin الذي يستعمل المظلّات المفخّخة وغيرها كأدوات للجريمة. 

- القطّة Catwoman: علاقتها مع الوطواط فيها مدّ وجزر ولا يمكن إغفال الزاوية العاطفيّة فيها. 

- وجهي Two-Face: مدّعي عام أصلاً اسمه Harvey Dent تعرّض لاعتداء بالحمض خلال إحدى المحاكمات نتج عنه حرق كيميائي شوّه نصف وجهه تحوّل بعده للجريمة. من صفاته المميّزة اعتماده في قراراته على إلقاء قطعة عملة في الهواء "طرّة ولّا نقش". 

- رجل الألغاز Riddler: يترك دائماً قرائن بشكل الأحجية بعد اقتراف جريمته يمكن لمن استطاع حلّها من الشرطة والرجال التحرّي الوصول إليه والقبض عليه كما فعل الوطواط في العديد من المناسبات. 

- رأس الغول Ra's al-Ghul: الأثر الشرقي واضح في هذا المجرم ولكن ابنته الجميلة Talia أغرمت بالوطواط وأرادت اتّخاذه بعلاً لها ممّا حمل والدها ولو إلى حين على الاعتقاد أنّه يستطيع التحالف مع البطل الشهير. 

- الخراب؟ Bane (أو الهلاك أو اللعنة أو مصدر التعاسة) الذي كسر العمود الفقري للوطواط عام ١٩٩٣.





نأتي الآن إلى الفزّاعة موضوع الحديث وأحد أكثر الأشرار شعبيّةً في عيد Halloween. الاسم الحقيقي Jonathan Crane والظهور الأوّل في العدد الثالث من World's Finest Comics عام ١٩٤١ فيما يسمّى بالعهد الذهبي للكوميكس الأمريكيّة. احتلّ الفزّاعة غلاف مجلّة العدد ٧٣ من Detective Comics عام ١٩٤٣ ثمّ اختفى إلى أن يعاود الظهور عام ١٩٦٧ في العهد الفضّي والعدد ١٨٩ من مجلّة Batman.


باختصار الفزّاعة ألمعي إلى درجة العبقريّة وأخصّائي في علم النفس أضف إليها ضلوعه في الكيمياء. كان زملائه من مدرّسي الجامعة ينظرون إليه بازدراء واستخفاف بسبب ثيابه العتيقة رغم قدرته على شراء الحلل الجديدة الزاهية ولكن أولويّات Crane كانت مختلفة فهو يفضّل إنفاق مرتّبه على شراء الكتب عوضاً عن الثياب ومع ذلك انتهى به الأمر إلى إدراك أهميّة النقود وأنّ الأغنياء هم الذين يحترمهم الناس دون سواهم. مع الأسف لجأ الفزّاعة إلى الجريمة للحصول على المال مستعملاً معارفه النفسيّة المستفيضة وأسلحته الكيميائيّة من الغازات السامّة لبثّ الخوف في نفوس ضحاياه. 





بلغ جنون العظمة ذروته لدى الفزّاعة في العدد السابع عشر من Shadow of the Bat الذي صدر في خريف ١٩٩٣ عندما قرّر أنّ الأوان قد آن كي يعبده الناس كربّهم الأعلى. كان منطق الفزّاعة سليماً من الناحية النظريّة: عبد الناس منذ أقدم العصور آلهة ما أنزل الله بها من سلطان وعلى سبيل المثال إلهاً للبحر وآخر للبرّ وثالثاً للعالم السفلي ورابعاً للسماء وخامساً للكروم والخمر  وربّةً للجمال وثانيةً للحكمة وثالثةً للصيد ورابعةً للأمومة... باختصار عبد الناس من قوى الطبيعة وغيرها أرباباً لا عدّ لهم ولا حصر يمثّلون كلّ ما يمكن أن يخطر على بال الإنسان وخياله الخصب مع استثناء وحيد - حسب تسلسل أفكار الفزّاعة - رغم كون هذا الاستثناء هو الأكثر بديهيّة والأجدر - بلا منازع - بالعبادة. هذا الاستثناء هو "إله الخوف" God of Fear. إلى اليوم يقال عن الشخص النصّاب أو اللصّ إلى آخره أنّه "ما بيخاف من الله". 


إذاً كان هناك فراغ vacuum عقد الفزّاعة العزيمة على سدّه وكانت خطوته الثانية تأليه نفسه علناً وعلى رؤوس الأشهاد وهكذا - بعد تسليط غازاته المخدّرة والمهلّسة على الناس - أعطى الربّ الجديد مهلة معيّنة تحتّم مع انصرامها أن يقبله الأهلون إلهاً للخوف ويتعبّدونه على هذا الأساس وإلّا فسيدمّر المدينة بكاملها مستعملاً معارفه الربّانيّة كما هو جدير بإله تامّ كامل. 


لحسن الحظّ فشل الفزّاعة في مساعيه المشؤومة وردّ كيده إلى نحره هذه المرّة على الأقلّ ولكنّه يبقى إلى اليوم أحد أركان محور الشرّ الذي نذر الرجل الوطواط أن يحاربه حتّى النهاية في مدينة Gotham (جرجر).

No comments:

Post a Comment