أبدأ بالسهل والمؤكّد: الموقع الميدان الفوقاني على الجانب الغربي من الشارع مقابل جامع كريم الدين (الدقّاق) ولصيق حمّام الدرب.
الوصف المعماري أكثر إشكاليّة كما نرى في صورة Wulzinger & Watzinger بالأبيض والأسود. التقطت هذه الصورة إبّان الحرب العالميّة الأولى من الشرق إلى الغرب وتظهر فيها قبّتان ملساوتان متناظرتان طاساتهما نصف كرويّتين وتستند كلّ منهما على رقبة وحيدة لها إثني عشر ضلعاً تتناوب فيها محاريب صمّاء مع نوافذ معقودة. تعود البنية بين القبّتين إلى أواخر العهد العثماني ومن الواضح أنّها طفيليّة غطّت القسم العلوي من بوّابة المدخل وأخفت القسم العلوي من المقرنصات مع القبوة فوقها كما نرى في صورة الشهابي المكبّرة (صيف ١٩٩٣) التي يظهر فيها الرنك أو الشعار المملوكي (دائرة يتوسّطها كأس) مباشرة فوق عقد الباب.
تجلّت الميداليّتان (الحشوتان) الدائريّتان بوضوح في جدار التربة نحت القبّتين أو كما وصف الألمانيّان كلاً منهما (صفحة ٢١٠ من تعريب قاسم طوير): "زهرة دائريّة معشّقة تعلو كل نافذة من نوافذ الواجهة". غابت الحشوتان في صورة الشهابي خلف الأبنية المستحدثة مع شديد الأسف كما نرى في الصورة الملوّنة الثانية.
ذكر المستشرقان أنّ عائلة القيّم على التربة تسكن تحت القبّة القبليّة وأنّ هذا الأخير "أقام شرفة له في الأجزاء المهدّمة" وختما بالقول: "يبدو أنّ القبّة الشماليّة تضمّ قبراً في داخلها".
نأتي الآن إلى السؤال الأصعب في هذا الامتحان: ما هويّة هذه التربة؟
أدرج المستشرقان التربة تحت تسمية "مدرسة" بينما علّق عبد القادر ريحاوي أنّها تربة مملوكيّة مجهولة "لا يمكن معرفة تاريخ بنائها بسبب اختفاء الكتابة المنقوشة على واجهتها خلف المباني المحدثة وهناك مشروع لاستملاك هذه المباني وكشف واجهة البناء". من الواضح أنّ الواجهة لم تكشف في العشرة سنوات التي انصرمت بين الريحاوي والشهابي.
أضاف ريحاوي أنّ البعض ينسبها إلى الأمير منغلي بغا الذي حكم دمشق ٧٦٤ للهجرة (١٣٦٢-١٣٦٣ للميلاد) وبعضهم الآخر إلى الأمير أقتمر (أشقتمر حسب Sauvaget) بعد بضعة سنوات من الأمير السابق. أسماها العلبي (خطط دمشق صفحة ٤١٨) "الزاوية الرشيديّة".
تربة أم مدرسة أم زاوية؟ لا نملك الجواب اليقين في غياب (أو اختفاء) النقوش الكتابيّة على أرض الواقع أضف إليه عدم وجود ذكر لها في المصادر التاريخيّة المتوافرة. أوّل من ذكرها تحت اسم "الرشيديّة" هما W & W ونقل عنهما Sauvaget بعد ذلك بقليل.
إذا قبلنا شهادة Stefan Weber فأقدم صورة لهذه التربة تعود لحوالي عام ١٩٠٥ (وهي كما نرى في الصورة الأخيرة بالأبيض والأسود من نوعيّة أفضل من اللقطة الأحدث للألمانييّن). نقل Weber أنّ الجمعيّة الخيريّة لإنشاء المدارس دشّنت مدرسةً للذكور أو "مكتب الميدان" فيها عام ١٨٧٩.
T U Dresden |
الآثار الإسلاميّة في مدينة دمشق. تعريب قاسم طوير
قتيبة الشهابي. مشيّدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجماليّة
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق
Jean Sauvaget. Les monuments historiques de Damas
Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proc
Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924.
No comments:
Post a Comment