Sunday, December 5, 2021

متى تمّ توزيع طوالع دمشق؟

 


حاول المستشرق الفرنسي Richard Thoumin إلقاء الضوء على هذه المعضلة (صفحة ٨٠-٨٣ من الجغرافيا البشريّة لسوريّا المركزيّة) وبدوري أحاول من خلال الأسطر التالية إيصال أفكاره كما هي وأعرف سلفاً أنّها مثيرة للجدل إلى درجة كبيرة. اخترت للمنشور الصورة أعلاه عن Tresse من عشرينات القرن الماضي وهي لطالع الملك الظاهر. 


هناك اختلاف في توزيع المياه بين الأحياء فعلى سبيل المثال يتلقّى حيّ القنوات وشارع التعديل وملحقاتهما الثلث (٣٠/٩١) من تشعّبات نهر القنوات. بالمقارنة تقتصر حصّة الحيّ المسيحي وجاره اليهودي على ثلاث شعب. بنفس الطريقة تتجاوز حصّة الشاغور حصص الأحياء غير المسلمة إلى الشرق رغم أنّ مساحة هذه الأخيرة ثلاثة أضعاف مساحته. 


يرى البعض أنّ هذا التفاوت دفع المسلمين إلى تحديد إقامة اليهود والمسيحييّن في القسم الشرقي من المدينة ولكن هناك تفسير آخر: لربّما حدّ المسلمون من كمّ المياه المخصّص للأحياء الشرقيّة حيث سكنت الأقليّات الدينيّة (*). من المعروف أنّ فرع القنوات روماني ولكن لا يوجد أدنى دليل على كون توزيع اشتقاقاته الحالي يعود لنفس العصر ويكفي أن ننظر إلى الطريقة العشوائيّة في التوزيع الحالي للتأكّد من كونه لاحق للفتح العربي. لدينا برهان آخر في تاريخ بناء العديد من المساجد والحمّامات (كثيراً ما نعرفه بدقّة) ومنه نستنتج أنّ العديد من التمديدات المائيّة لهذه الأوابد استحدثت أو عدّلت تحت المماليك أو العثمانييّن. 


هذا التوزيع مجحف بالأحياء الشرقيّة إلى درجة أنّ بعضها كمئذنة الشحم حيث يقطن الروم الأورثوذوكس محرومة تماماً من مياه القنوات رغم أنّ ميلان الأرض يسمح بتمديدها بكل سهولة. اضطّر الأهالي نتيجة لذلك إلى الاعتماد على الآبار في غياب المياه الجارية. 


الأولويّة في ماء بردى لمساجد دمشق وحمّاماتها وعددها كبير إلى درجة أنّنا لا نجد حيّاً لا تخدم طوالعه مسجداً أو حمّاماً. ليس هذا فحسب: العديد من الأقنيّة خطّت لهذه الأوابد حصراً ويشتقّ من القنوات وحده أربع وعشرون منها.  



(*) بعبارة ثانية هل كانت الأحياء الشرقيّة فقيرة بالمياه أصلاً وبالتالي أجبر المسلمون الأقليّات على السكن فيها دون سواها أم أنّ تزويدها انخفض - بسبب التركيب الطائفي لسكّانها - بعد أن أصبحت اليد العليا للمسلمين؟! لا داعي للتذكير أنّ الوجود المسيحي واليهودي في دمشق سابق للوجود الإسلامي وأنّه لم يكن هناك "أحياء مسلمة" حتّى منتصف القرن السابع للميلاد على الأقلّ.






Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie centrale, Paris: Librairie Ernest Roux 1936 (texte: pp. 80-83). 

René Tresse. L'irrigation dans la Ghouta de Damas. Revue des Études Islamiques 1929 (photo). 

Barada: répartition de l'eau

No comments:

Post a Comment