تحسّن وضع النصيرييّن الذين استوطنوا سهل الغاب الخصب إلى درجةٍ ملموسة مقارنةً مع وضعهم السابق في قرى الجبال الصغيرة رغم اضطرارهم إلى الكدح في الزراعة والحصاد لحساب أعيان المسلمين (السنّة) الحموييّن وملّاك الأرض المسيحييّن في محردة. مع ذلك يحقّ لنا التساؤل إذا كانت المكاسب التي حصلوا عليها في المستنقعات تستحقّ هجرتهم قراهم في جبال الأنصاريّة. على ما يبدو الردّ بالإيجاب بدلالة التحريّات التي أكّدت عزوف النصيرييّن من أهل البارد والرصيف عن العودة إلى ما كانوا عليه. لا شكّ أنّ البيوت قرب العاصي أقلّ مقاومةً من المساكن المكعّبة النصف غائرة في الأرض على المنحدرات ولا ريب أنّ المياه الراكدة غير صحيّة سواءً بالرطوبة الزائدة الناجمة عنها أو بالبعوض الذي يزخر في أجوائها ممّا دفع الناس إلى الفرار نحو حدود الغاب كما فعل المستوطنون القدماء في السقيلبيّة. وجد القادمون الجدد - رغم هذه التحفّظات - الحياة في الغاب أفضل من البؤس المدقع الذي عانوه في الجبال ومن العدل التنويه أنّ معظم النازحين أتوا من العائلات الأكثر فقراً.
أمّنت المستنقعات للمهاجرين حاجاتهم من الغذاء وحماهم الصيد وتربية الجاموس من المجاعات أو شبه المجاعات المتواترة على السفوح الشرقيّة لجبال الأنصاريّة. بالنتيجة ما دفع النصيري للاستقرار في الغاب بالدرجة الأولى هو البحث عن قوت يومه ومن هذا المنطلق يمكن تفسير اللجوء إلى الغزو في الماضي. نجح النظام الحميدي في السيطرة على الأمن إلى درجة معيّنة ممّا دفع البعض من هذه الشعوب إلى التفتيش عن مصادر مختلفة لتلبية حاجاتهم وساد السلام المطلق في الإقليم اعتباراً من عام ١٩٢٢ (أي في ظلّ الانتداب الفرنسي) ليكرّس ميل النصيريييّن للعمل في السهل والمستنقعات ويساهم في تطوّر وازدهار هذه القرى إلى درجة لا بأس بها.
الصور الثلاثة الملحقة عن Weulersse (١٩٤٦) يبدو في الأولى مقرّ أحد الزعماء في جبال العلوييّن الخلّابة وفي الثانية بعض النساء في زيارة لأحد المقامات وفي الثالثة رقص الدبكة على إيقاع الطبل في أحضان الطبيعة.
Richard Lodoïs Thoumin. Le Ghab. Revue de Géographie Alpine 1936 pp. 467- 538
Jacques Weulersse. Paysans de Syrie et du Proche-Orient (photos)
No comments:
Post a Comment