Tuesday, May 3, 2022

علويّون ونصيريّون وأنصاريّون

 


استعرضنا في الأسابيع القليلة الماضية قرى الغاب الأقدم وقرى الموالي وقرى المستنقعات. قبل التعرّض للنموذج الرابع - قرى النصيريّة - يحسن أن نبدأ بتعريف بعض المصطلحات نقلاً عن Thoumin. كما هي العادة أنقل كلام المؤلّف كما هو وأترك أي تعليق أو شرح للحواشي. 


استعمل الغربيّون كلمات "أنصاريّة" و"نصيري" و"علوي" كمترادفات بيد أنّ معانيها مختلفة إذ يشير تعبير الأنصاريّة (مصطلح جغرافي) إلى سكّان الجبال أمّا النصيري فهو مصطلح ديني لأتباع مذهب يتركّز في جبال الأنصاريّة بينما العلوي مصطلح سياسي لسكّان دولة العلوييّن مع عاصمتها اللاذقيّة. 


تطلق تسمية العلوييّن أو الأنصارييّن أو النصيرييّن إذاً على أهالي الإقليم الواقع بين العاصي شرقاً والبحر المتوسّط غرباً وبين ثغرة عكّار جنوباً وممرّ السويديّة شمالاً. تبنّت سلطات الانتداب تسمية "العلويّة" بناءً على طلب أعيان البلد وهذه التسمية هي اللقب الرسمي الذي يستعمل لجميع سكّان الدولة بمختلف دياناتهم. كلمة "الأنصاريّة" يقصد بها سكّان جبال الأنصاريّة ولا تشمل أهل سهول الساحل وفلّاحيها أمّا "النصيريّة" فمصطلح ديني صرف (١). مسلم (٢) أو مسيحي اللاذقيّة حسب هذه التعريفات علوي بالضرورة وقد يكون أنصاريّاً إذا عاش في الجبال ولكنّه ليس نصيريّاً أبداً. 


يشوب الغموض تاريخ النصيريّة من عدّة نواحٍ. هل مصدر الكلمة إمارة Nazerini القديمة التي تماثل المصطلح المعاصر من الناحية اللفظيّة أو تكاد؟ أم هل تعود للمدعو أبو شعيب محمّد بن نصير (وفيّات ٨٧٣ للميلاد) أحد أتباع الإمام الحادي عشر حسن العسكري المتحمّسين ومؤسّس المذهب النصيري؟ لا يوجد ما يمنع أن تكون الفرضيّتان صحيحتين. هل الطائفة قيد الحديث وثنيّة تطوّرت تحت المؤثّرات الإسلاميّة أم أنّها كانت جماعة مسيحيّة معزولة اعتنقت المعتقدات الإماميّة؟ كيف نفسّر تقويم النصيريّة الديني وأعيادهم الشيعيّة جنباً إلى جنب مع شعائر مسيحيّة؟ تثير العقيدة والطقوس الممارسة كثيراً من الأسئلة التي لا نملك جواباً واضحاً عليها إلى اليوم (٣) . النصيريّة في خطوطها العريضة ديانة غامضة (٤) تقتصر معرفة أسرارها على عدد ضئيل من أتباعها يستغرق تكوينهم العقائدي عدّة أشهر وأحياناً عدّة سنوات. تشير معارفنا المحدودة عن عقيدة النصيريّة إلى قرابة بينها وبين الاسماعيليّة رغم أنّ النصيريّين يعتبرون الاسماعيلييّن ألدّ أعدائهم. يبجّل جمهور الطائفة النصيريّة العديد من الأولياء وتذكّرنا هذه الممارسات بالأشجار الخضراء والأماكن المرتفعة (٥). يجادل رجال الدين المطّلعين على أسراره في الطريقة التي يتظاهر فيها الإله وجميعهم يؤمنون بالتقمّص ويأملون البعث بشكل نجمة. لا يقلّ البعد بين النصيريّة والسنّة إذاً عن المسافة التي تفصل بينها وبين المسيحيّة. صحيح أنّنا نعتبر النصيريّة إحدى الطوائف الشيعيّة بناءً على عدّة اعتبارات بيد أنّ هذه العقيدة الممارسة في الجبال التي تحدّ الغاب من الغرب ذات شخصيّة مميّزة إلى أبعد الحدود (٦) فرضت رابطةً متينةً على أفرادها وخلقت منهم جماعةً متّحدةً ومتعاضدة. لا يحول هذا التكافل دون منافسة المذاهب ومزاحمتها بعضها بعضاً وتكتّلها في فئاتٍ في قرى ضمن نفس الإقليم ومع ذلك تجمع بينها وحدة فكريّة ضدّ الغرباء خصوصاً السنّة والاسماعيليّة وبالتالي يزداد تراصّ النصيرييّن وتعاونهم بمجرّد أن يشعروا بضرورة النضال دفاعاً عن حريّتهم إن لم نقل حفاظاً على وجودهم تجاه المسلمين والمسيحييّن.   



الصبيّة في الصورة الملحقة عروس علويّة في منتصف أربعينات القرن العشرين عن Fedden. 



(١) درج مصطلح "العلوييّن" منذ فترة الانتداب والمؤلّف هنا مصيب في تعريفه الذي أشار إليه أيضاً Lammens. استعمل مصطلح "الأنصاريّة" في العديد من المصادر الفرنسيّة والإنجليزيّة قبل مائة عام عودةً إلى القرن التاسع عشر ولكنّي لم أقرأ في أي مصدر - باستثناء Thoumin - أنّه جغرافي محض يشير إلى سكّان الجبل. قد يبدوا التمييز بين "نصيري" و"أنصاري" أنيقاً ومنطقيّاً ولكنّه ليس بالضرورة صحيحاً. أضف إلى ذلك أنّني لم أعثر إلى اليوم على مصدر عربي قديم يستعمل "أنصاري" بمدلول جغرافي وكلّ ما وجدته على الشبكة ينقل عن المستشرقين. 

(٢) عندما يستعمل Thoumin (وغيره من المستشرقين الروّاد) مصطلح "مسلم" دون إضافة فالمقصود السنّة حصراً. 

(٣) أوّل من حاول دراسة النصيريّة بأسلوب علمي متجرّد الفرنسي Dussaud عام ١٩٠٠. 

(٤) باطنيّة. بالطبع اتّبعت الطوائف الشيعيّة عموماً - وليس فقط النصيريّة - بما فيها الإثني عشريّة مبدأ "التقيّة" تجنّباً للاضطهاد.

(٥) أدان كتاب العهد القديم ممارسة العبادات في الأماكن المرتفعة واعتبرها وثنيّةً. 

(٦) من هنا تسمية "الغلاة".





Richard Lodoïs Thoumin. Le Ghab. Revue de Géographie Alpine 1936 pp. 467- 538

Robin Fedden. Syria, an Historical Appreciation. Robert Hale Ltd, London, 1946 (photo)


No comments:

Post a Comment