Monday, September 12, 2022

حمّامات دمشق والشرع الإسلامي

 


النصّ الآتي تعريب عن Degeorge أمّا الصورة فهي لحمّام شامي مجهول من مجموعة الصديق الغالي الأستاذ أسامة مهدي الحفّار الذي تلطّف فسمح لي باستعمالها. في تقديري أنّها تعود للنصف الأوّل من القرن العشرين. 


أحصى ابن عساكر في القرن الثاني عشر الميلادي سبعاً وخمسون حمّاماً في دمشق أربعون منها داخل السور. بنى نور الدين في تاريخ غير محدّد - وإن كان على الأغلب حوالي عام ١١٦٥ - حمّاماً في سوق البزورييّن ضمن أوقاف المدرسة النوريّة الكبرى. الحمّام الشامي أصغر من الحمّامات الرومانيّة ولا يملك مسابحها piscines ولا حلبتها palestre ومع ذلك لعب دوراً هامّاً في الحياة الدينيّة والاجتماعيّة للمدينة وكثيراً ما ارتبط بالجامع بأوثق العرى. 


جعل الإسلام من الصحّة فضيلةً شرعيّةً عكس المسيحيّة في ازدرائها للحياة الدنيويّة وحثّ أتباعها على إهمال الهموم المتعلّقة بالجسد. يقول حديث نبويّ "النظافة من الإيمان" ويتعيّن على المسلم أن يتوضّأ قبل كل صلاة وأن يغتسل في الحمّام تحديداً قبل صلاة الجمعة. لا يجوز أن يصلّي إنسان قذر كما قال حديث آخر: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ". يزداد ثواب الصلاة بزيادة درجة النظافة وكما قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: "وقد فضّلت الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك". على من أكل الثوم أو البصل النيء أن يصلّي في بيته أمّا الصلاة في الجامع فهي عليه ممنوعة. الغسل والوضوء الشرعيّان واجبان بعد العمليّات الجسديّة كالتبوّل والتغوّط والقذف وما أكثر الأحاديث التي عالجت هذا الموضوع وما أدقّ تفاصيلها وتعاليمها! يتبع المسلم في هذا - وفي غيره - مثال نبيّه الذي جعلته السنّة النموذج الأعلى أو - كما قال ابن الجوزي - "أنظف الناس وأطيب الناس". النظافة ضرورة دينيّة علاوةً على كونها احترام للآخرين وهذا ما ركّز عليه ابن الجوزي عندما كتب:


"تلمّحت على خلق كثير من الناس إهمال أبدانهم، فمنهم من لا ينظّف فمه بالخلال بعد الأكل ومنهم من لا ينقّي يديه في غسلها من الزهم ومنهم من لا يكاد يستاك وفيهم من لا يكتحل وفيهم من لا يراعي الإبط إلى غير ذلك فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا". 


الحمّامات إذاً علامة تمدّن ودلالة على حياة دينيّة سليمة والاثنان مرتبطان من وجهة نظر إسلاميّة. كلّ من أراد أن يتغنّى بفضائل مدينة ما من الرحّالة يضع الحمّامات في مركز الصدارة مع المساجد وترب المشاهير وأسماء حفظة القرآن.






Gérard Degeorge. Damas: des origines aux Mamlūks. L'Harmattan, 1997 (texte). 


Damas, ses Bains et la Loi Islamique

1 comment:

  1. الصورة عن Oppenheim مع جزيل الشكر للأستاذ محمّد شيخاني

    ReplyDelete