Tuesday, September 27, 2022

الثامن والعشرون من أيلول



لفظ "آخر الأنبياء" (كما نعته نزار قبّاني) أو "العميل" (حسب نهاد الغادري) أنفاسه الأخيرة في الثامن والعشرين من أيلول - سبتمبر عام ١٩٧٠ عن عمر لم يتجاوز ٥٢ سنة. 


لم يتوقّع أحد وفاته وقتها وهناك من أثار احتمال أنّ السادات دسّ السمّ في قهوته ولو أنّه اعتبر ذلك مستبعداً (هيكل). 


مع ذلك من شبه المؤكّد أنّ الرئيس المصري الراحل مات ميتةً طبيعيّة بأزمة قلبيّة سبّبتها سنوات من التدخين والداء السكّري والإرهاق الجسدي والضغط النفسي الناجم عن المسؤليّات التي ناء تحتها في أعقاب ١٩٦٧ (وقبلها) وكلّ هذا في زمن لا يعرف القثطرة القلبيّة وإعادة فتح الأوعية الإكليليّة ولا حتّى الأدوية الفعّالة لخفض شحوم الدم. أضف إلى ذلك أنّ بعض المصادر ذكرت إصابته بمرض وراثي يدعى Hemochromatosis يؤدّي إلى ترسّب الحديد في الأعضاء الحيويّة وكثير من الاختلاطات القلبيّة والكبديّة وغيرها.      


صادف هذا اليوم أيضاً (الثامن والعشرون من أيلول) ذكرى انفراط عقد الوحدة المصريّة السوريّة وانقلاب عبد الكريم النحلاوي عام ١٩٦١. 


من العبث محاولة تصوّر مختلف للماضي وما إذا كان مصير سوريّا سيكون أفضل أو أسوأ لو استمرّت الوحدة. كثيرون هم من يلومون عبد الناصر  - وإلى اليوم - على كلّ أو معظم الكوارث التي حلّت ببلاد الشام عبر الستّين سنة الأخيرة وكيف أنّه أدخل القمع والديكتاتوريّة والشعبويّة الغوغائيّة والحكم المخابراتي... ناهيك عن قرارات التأميم ونتائجها المدمّرة للاقتصاد السوري.


ينسى أو يتناسى هؤلاء أمرين أساسييّن:


- أوّلاً: الوحدة انتهت قبل أكثر من ستّين عاماً وقلائل هم الذين لا يزالون على قيد الحياة ممّن أصابهم من ورائها خير أو شرّ. لوم عبد الناصر على مآل سوريّا في مطلع القرن الحادي والعشرين أشبه ما يكون بإعطاء رصيد انتصار إسرائيل عام ١٩٦٧ إلى جاسوس من الدرجة الثانية أعدم قبل الحرب بعامين. 

- ثانياً: لم تعرف سوريّا غير الحكم السلطوي في تاريخها قبل وأثناء وبعد عبد الناصر.   


إذاً عوضاً عن تاريخ افتراضي و"ماذا لو" يحسن النظر إلى العلاقة المصريّة السوريّة عبر التاريخ منذ تحتمس الثالث إن لم نقل منذ سنوحي مروراً بالبطالمة ومختلف الإمبراطوريّات الإسلاميّة ووصولاً إلى العصور الحديثة وأسرة محمّد علي ثمّ مصر في العهد الجمهوري. لا داعي للدخول في التفاصيل وما لا جدال فيه أنّ سوريّا شكّلت عبر التاريخ عمقاً استراتيجيّاً لمصر والعكس بالعكس ومنه قرار عبد الناصر بإغلاق مضائق تيران في محاولةٍ (فاشلة مع الأسف) لردع إسرائيل عن مهاجمة سوريّا. 


كتب الكثير عن سياسات الرئيس السادات والطريقة التي خاض فيها حرب ١٩٧٣ دون أن يكشف أوراقه الحقيقيّة للسورييّن ثمّ الصلح المنفرد مع إسرائيل وقلب ظهر المجنّ للاتّحاد السوفييتّي. مع ذلك هناك حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها: استطاعت إسرائيل بعد توقّف الهجوم المصري أن تركّز على الجبهة السوريّة وهنا حاول الرئيس المصري تخفيف الضغط عن السورييّن عن طريق شنّ هجوم مدرّع في سيناء خارج حماية الغطاء الصاروخي. خالف السادات في قراره هذا رأي رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي وفشل الهجوم الذي تكبّد فيه المصريّون خسائر فادحة. لا يعني هذا الفشل التقليل من الجهد والتضحيات ولا التشكيك في النيّة من ورائه. 


مرّ على العلاقات المصريّة السوريّة الكثير من المدّ الجزر عبر آلاف السنين وتبقى على الرغم من ذلك - أو لربّما بسببه - صامدةً مستمرّةً من النواحي الثقافيّة والحضاريّة التي تشكّل على المدى البعيد روابط أكثر وثوقاً وأقوى أثراً بكثير من النواحي العسكريّة والسياسيّة. 


سيّان إذا أحبّ السوري عبد الناصر أو كرهه. الأشخاص يموتون والبلاد تبقى.

No comments:

Post a Comment