Sunday, September 4, 2022

حمّام النسوان الشامي والليدي إيزابيل برتون

 


الأسطر التالية مختصرة ومعرّبة عن كتاب الليدي Isabel Burton "حياة سوريّا الداخليّة" صفحة ١٤٤-١٤٦ من الجزء الأوّل. 


الليدي إيزابيل (١٨٣١-١٨٩٦) قرينة الكابتن Richard Burton قنصل بريطانيا في دمشق ١٨٦٩-١٨٧١. تعرّضت لإقامتها في دمشق وكتابها الشهير في مكان آخر وأكتفي اليوم بوصفها لحمّام النسوان من وجهة نظر تاريخيّة أنثويّة استشراقيّة شابتها مبالغات أكثر من واضحة. مع الأسف لم تذكر السيّدة اسم الحمّام "التركي" أو موقعه. 


دخلنا إلى قاعة كبيرة تستمدّ إنارتها من منور في قبّتها وتتوسّطها بحرة ضخمة من الرخام في زواياها أربع نوافير صغيرة ينجبس منها الماء. هناك مصاطب مغطّاة بالوسائد على محيط القاعة حيث اتّزرنا بأقمشةٍ من الصوف والحرير ولففنا المناشف على رأسنا. سنمرّ الآن عبر ستّة غرف مقبّبة ومضاءة بالمناور ومبلّطة بالرخام وعلى جوانبها أجران حجريّة وصنابير للماء الحارّ والبارد. الردهة الأولى باردة والثانية أكثر دفأً ومن ثمّ نصل إلى غرفة التعرّق suditarium حيث تقارب الحرارة ١٢٠ فهرنهايت (٤٩ درجة مئويّة). 


تبدأ عمليّة الاستحمام بصوبنة الرأس والشعر بالكامل ثمّ يغسل الجسم بالفوطة والصابون أوّلاً ويثنّى عليها _ إذا رغبت الزبونة - بالفرشاة والصابون وأخيراً بالليفة والصابون. يتخلّل هذه المراحل شطف الجسم بالماء الساخن من الرأس حتّى القدمين ثمّ تعاد الصوبنة من جديد ويغسل الصابون من جديد وهنا تبدو على المستحمّة بوادر الإرهاق إذ تقوم الصنعيّة برشّ الذرور على وجهها ورقبتها وذراعيها ويقدنها عبر سلسلة من الردهات التي تتدرّج في حرارتها إلى أن تصل إلى أكثرها سخونةً. حسب الزبونة ١٥٠ درجة (٦٥ درجة مئويّة) وسط البخار ولكنّها تستطيع - مع الممارسة - تحمّل ثلاثمائة درجة (١٤٨ درجة مئويّة) إذا كان الجوّ المحيط جافّاً. تدوم الإقامة في الردهة الحارّة caldarium حوالي عشرين دقيقة تخدم بعدها المشروبات الباردة ويلفّ جسم المرأة بمناشف مرطّبة بالماء البارد لحمايتها من الإغماء وتفرك قدميها بحجر أسود يتميّز بالقساوة. يخيّل للناظر أن الجلد يكشط عن اللحم أو يكاد. 


يتمّ مشوار العودة خلال نفس الردهات باتّجاه عكسي مع سكب الماء واللفّ بالمناشف إلى أن تصل الزبونة إلى المشلح (البرّاني) لتستلقي على الأرائك ملتفّةً بالحرير والصوف وسط أعواد الندّ والبخّور وتتناول الأرجيلة في نفس الوقت الذي تستسلم فيه لامرأة تقوم بتدليكها كالعجين وقد تنام خلال هذه العمليّة.


تستيقظ الزائرة (الأوروبيّة) على الموسيقى والرقص  وفتيات يأكلن الحلويّات ويطاردن بعضهنّ البعض الآخر. تتجاوز طقوس الحمّام بالنسبة للمرأة المسلمة الوصف أعلاه إذ هناك من يسهر على صبغ جلدها بالحنّة ونتف حواجبها ولا تكتفي الشرقيّات بما هو أقلّ من "تقشير" جلودهنّ.


لا يتميّز كلّ ما يتعلّق بالحمّام بالسحر والجمال فهناك أيضاً منظر العجائز المنفّر إذ يجلسن على الأرض القرفصاء بعد أن صبغن ما تبقّى من شعرهنّ بلون برتقاليّ فاقع. أصوات هاته النسوة خشنة والضوضاء التي يحدثنها مزعجة ولا ريب أنّهن محظوظات بالحجاب المفروض عليهنّ.


تتلخّص آخر الإجراءات بتقليم الأظافر ورسم نجوم وأهلّة صغيرة بالحنّة على اليدين والقدمين. ختاماً هناك رجل مسنّ في غرفة الانتظار. من البدهي أنّه لا يستطيع دخول الحمّام عندما تشغله النساء أمّا عن المهمّة الموكلة إليه فهي الوشم الذي يجريه بواسطة إبر صغيرة يغمسها في البارود. تستغرق عمليّة الوشم هذه قرابة ربع الساعة ولا يمكن إزالتها دون كشط اللحم. 


أمضينا في الحمّام أربع ساعات.






Isabel Burton. The Inner Life of Syria

No comments:

Post a Comment