نتابع وصف اللوحة التاسعة والعشرين (قبل الأخيرة) في كنيس دورا أوروپوس.
تقف امرأتان أمام فرعون. ترفع كلاهما ذراعها اليمنى في إيماءةٍ متماثلة ويبدو أنّهما تصغيان إلى الأمر الملكي القاضي برمي جميع مواليد العبرانييّن في النهر (خروج الإصحاح الأوّل الآية الثانية والعشرون). يترتّب على نصّ كتاب العهد القديم أنّ المرأتين هما القابلتان شِفْرَةُ وفُوعَةُ ومع ذلك لا مناص - إذا أجرينا مقارنةً بين ثيابهما من جهة وثياب المرأتين في نفس اللوحة على أقصى يسار الناظر من جهة ثانية - من الاستنتاج أنّهما يُوكَابَدَ ومَرْيَمُ (أمّ موسى وأخته). بناءً على ذلك نعتقد أنّ الفنّان تقصّد تمثيل القابلتين وأمّ موسى وأخته في صورةٍ تحمل تأويلاً مزدوجاً رغم غياب أي التباس في هويّة هاته النسوة في نصّ الكتاب المقدّس.
هناك أنثى ثالثة بين فرعون والمرأتين المذكورتين نراها في المشهد راكعةً على ركبتيها ومنحنيةً إلى الأمام. تمسك هذه المرأة بيديها شيئاً تلاشت معالمه أو كادت مع الأسف بيد أنّ وجودها على ضفّة النهر يسهّل التعرّف على شخصها كأمّ موسى في سبيلها أن تودع السَّفَطَ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ حسب رواية الآية الثالثة من الإصحاح الثاني لسفر الخروج. قد يعترض البعض أنّ المشهد يختلط مع سابقه حيث أبرم فرعون أمره ويؤدّي إلى التباس في خصوص يُوكَابَدَ (أمّ موسى) التي تظهر مرّتين بشكلين مختلفين إلى جانب بعضهما بعضاً. هذا الاعتراض في رأينا أبعد ما يكون عن البتّ في الموضوع للسببين الآتيين:
- يجري النيل في مقدّمة اللوحة من يمين الناظر إلى يساره ممّا يتطلّب رسم أمّ موسى تودع ابنها اليمّ في المكان المشار إليه إلى أن تتلقّفه الأميرة في المشهد التالي.
- تكرار رسم الشخص ذاته في مشاهد متجاورة مقبول ومعتمد في أكثر من لوحة في الكنيس وقد رأينا مثالاً عليه لا يتطرّق إليه الشكّ في لوحة الخروج (رابع لوحات الكنيس: المشهدين الرابع والخامس) وهناك أيضاّ لوحة نبوءة إحياء العظام اليابسة (اللوحة العشرون) حيث نرى النبي حزقيال مكرّراً ثلاث مرّات في وضعيّات مختلفة جنباً إلى جنب.
يماثل ثوب الأمّ التي تودع ابنها البمّ ما رأيناه في كسوة أرملة صرفة (اللوحة السابعة والعشرون). ترتدي يُوكَابَدَ تنوّرةً وخماراً لونهما بنيّ لا ريب أنّهما حيكا من نسيج فرو الحيوانات البسيط الخشن الذي يصادف بشكل متواتر في تنقيبات دورا. لون رداء يُوكَابَدَ أصفر وأبيض في سائر المشاهد كما هو الحال في ألوان ثياب أرملة صرفة بعد بعث طفلها من الموت.
للحديث بقيّة
إنقاذ موسى من اليمّ: الپانوراما
No comments:
Post a Comment