يعكس كتاب الدكتور جورج سمنة - أمين سرّ الجمعيّة السوريّة المركزيّة من مقرّها في فرنسا - معطيات تعود إلى أواخر العهد العثماني. رأينا كيف بذل سمنة وصحبه قصارى جهدهم في سبيل قيام الانتداب الفرنسي في سوريّا؛ ليس فقط لحاجة البلد الماسّة لمستشاريّ فرنسا من النواحي الإداريّة والاقتصاديّة والعلميّة، وإنّما أيضاً لحماية ولادة الأمّة السوريّة من الأعداء الخارجييّن (الأتراك والهاشمييّن خصوصاً) ولمنع الطوائف السوريّة من أن يفتك بعضُها بالبعض الآخر كما حصل في مأساة ١٨٦٠ على سبيل المثال وليس الحصر.
اقتبس سمنة الخريطة الملحقة عن الجغرافي الفرنسي Augustin Bernard. فلنتعرّف قبل التعرّض إليها على توزيع سوريّا الطائفي قبل قرن ونيّف. أنقل هنا تصنيف المؤلّف كما أورده مع الأرقام ونلاحظ على الفور الخلط بين الديانات والمجموعات اللغويّة والإثنيّة في هذه القائمة المثيرة للفضول:
أوّلاً: الإسلام (٢،٦١٠،٠٠٠ نسمة).
- سنّة (٢،٣٤٤،٠٠٠).
- شيعة (متاولة ١٢٠،٠٠٠ - شركس ٤٠،٠٠٠ - تركمان ٤٠،٠٠٠ - أكراد ٤٠،٠٠٠ -
فرس ٦،٠٠٠).
ثانياً: المسيحيّون (١،٤٠٠،٠٠٠ نسمة).
- كاثوليك (٨٢٠،٠٠٠): موارنة ٤٥٠،٠٠٠ - روم كاثوليك ٢٠٠،٠٠٠ - أرمن
كاثوليك ٢٥،٠٠٠ - سريان كاثوليك ٣٥،٠٠٠ - كلدان كاثوليك ٨٠،٠٠٠ -
لاتين ٣٠،٠٠٠.
- الغير كاثوليك (٥٨٠،٠٠٠): روم أورثوذوكس ٢٨٠،٠٠٠ - أرمن أورثوذوكس ٧٥،٠٠٠ -
السريان اليعاقبة ٧٠،٠٠٠ - النساطرة أو الكلدان ١٢٠،٠٠٠ - الپروتستانت بمختلف
مذاهبهم ٤٥،٠٠٠).
ثالثاً: اليهود (١٢١،٠٠٠ نسمة).
- الإسرائيليّون ١٢٠،٠٠٠.
- السامريّون ١،٠٠٠.
رابعاً: العقائد بعد - الإسلاميّة (٣٨٠،٥٠٠ نسمة).
- الدروز ١٧٥،٠٠٠.
- النصيريّة ١٧٠،٠٠٠.
- الإسماعيليّة ٢١،٠٠٠.
- اليزيديّة ١٠،٠٠٠.
- البهائيّون ٥٠٠.
الإجمالي ٤،٣٧٠،٥٠٠ نسمة.
يمكن للمهتمّين بالإسلام بمختلف ملله بما فيها "العقائد بعد الإسلاميّة" الرجوع إلى كتاب المستشرق Lammens فهو أفضل وأدقّ بكثير من سمنة. أنتقل بعد هذه الإحصائيّات إلى الخريطة قيد الحديث وللتذكير الكلام عن سوريّا كما تصوّرها سمنة (وإن لم تظهر الموصل في خريطة Bernard التي تذكر أعراقاً races و"شعوباً" سوريّةً وليس شعب واحد). "العرق" حسب Bernard هو الدين أو المجموعة اللغويّة الإثنيّة ومهما كان تحفّظنا عليه فهو أقرب إلى الصواب من تصنيف سمنة العجيب الذي أدرج "الشركس والتركمان والأكراد والفرس" تحت بند "الشيعة". يتدرّج اللون من الباهت إلى القاتم حسب كثافة المحموعة في مكان أو إقليم معيّن.
- اللون الأخضر يمثّل "الإسلام الناطقين بالعربيّة". إذا استثنينا شمال فلسطين فهم يشكّلون أكثريّةً في المدن التالية فقط: دمشق وإدلب وحماة وحمص واللاذقيّة وطرابلس وصيدا ويافا وغزّة ونابلس وصفد والسلط.. المسلمون العرب أقلّ من نصف سكّان حلب وعمّان وقتها أصغر بكثير من أن تستحقّ الذكر.
- اللون القرنفلي: الأتراك والأكراد والشركس وتركيزهم بالطبع في الشمال.
- الون الأصفر: الدروز والأنصاريّة واليزيديّة. تركّز النصيريّون في شمال ومنتصف الساحل السوري (إذا بدأنا من خليج اسكندرون وانتهينا في غزّة) أمّا الدروز فمعظمهم في حوران والشوف ولكن الخريطة لا تميّزهم باللون عن العلوييّن (أو النصيرييّن كما أسمتهم المراجع السابقة للانتداب الفرنسي).
- اللون الأحمر للمسيحييّن وأكثف تركيزٍ لهم في جبل لبنان خصوصاً ثلثيه الشمالييّن. المدن التي تتمتّع بأغلبيّة مسيحيّة حسب الخارطة: بيروت وزحلة وصور والناصرة.
- اللون البنّي للأرمن. هناك جالية مهمّة في حلب ومناطق معيّنة إلى الشمال منها وعدا ذلك فهم مبعثرون.
- اللون البنفسجي يمثّل اليهود: تواجد هامّ لهم في شمال فلسطين (الجليل والسامرة) ويشكّلون أغلبيّةً في مدينة القدس فقط مع جالياتٍ لا بأس بها في صفد وطبريّا وجالياتٍ أصغر في يافا وغزّة وغيرها.
نسبة المسيحييّن إلى إجمالي السكّان أعلى بكثير ممّا هي عليه حاليّاً ولأسبابٍ لا مجال للدخول فيها في هذه العجالة. بالمقابل ازدادت نسبة اليهود في فلسطين كثيراً. يبقى الإسلام أغلبيّةً آنذاك كما لا يزالون اليوم. لربّما أعطت الخريطة انطباعاً مختلفاً ولكن هذا مردّه بكل بساطة إلى كون الأغلبيّة الساحقة من سكّان سوريّا وقتها من أبناء الأرياف حيث تقلّ الكثافة السكّانيّة - من الناحية التاريخيّة - عمّا هي عليه في المدن.
No comments:
Post a Comment