الثلاثاء ٢٠ تشرين أوّل أكتوبر ١٩٢٥.
لحسن الحظّ لم تهبّ الرياح مساء أمس وإلّا لذهبت دمشق برمّتها طعمةً للنيران. مشهد الحريق مفزعٌ ورائعٌ في نفس الوقت...
أشعر وكأنّي أحيا في عهد تيمورلنك وما أراه لا يخرج عن كونه الطبعة الأخيرة لكافّة الانتهاكات التي أصابت هذه المدينة، القديمة قِدَم العالم، عبر التاريخ. لم تتغيّر خلفيّة المشهد الشيء الكثير على كلّ حال!.. جبل قاسيون العتيق الذي طالما أحنى ظهره الأجرد، قِفار القلمون، هضبة الجبل الأسود... تتأمّل جميعها هذا المساء، كما فعلت مراراً وتكراراً في الماضي، منظراً مألوفاً.. لا ريب أنّ دمشق تبدو من ذراها أشبه بمحرقةٍ جنائزيّة يتطاير شررها ليضرم عبر الغوطة المزيد من بؤر المآسي. دمشق وغوطتها الجميلة ملتهبتان كما في عصر الحديد وعهود الظلمات!! ما شأن هذه القوّة المشؤومة المتجدّدة عبر الزمن لتكرّر نفس الأعمال في نفس الأماكن؟... يتصاعد مشعلٌ ضخمٌ نحو السماء الداكنة كالحِبر ليحرّك دوّاماتٍ من الدخان المخضّب بلون الدماء بينما ترسم الأشجارُ خطوطاً فجّةً واضحة المعالم على خلفيّة من الآتون المستعر. تلوح بيوت الشاغور العديمة الأسقف عن بعد فاغرة الفم وقانية اللون إذ يلتهمها الحريق من الداخل بينما أخذت نوافذ حيّ باب توما المُنارة لوناً أزرق يميل للاخضرار وكأنّها كحول يحترق وسطَ لوحةٍ من الأرجوان القاتم. مشهدٌ شيطانيٌّ أو يكاد.
الصورة الملحقة عن Stironi ويظهر من قفاها أنّها بطاقة بريديّة كُتِبَ عليها "قصف دمشق بالمدفعيّة في الثالث عشر من أيّار مايو ١٩٢٦". أعتقد أنّ التاريخ يشير إلى إرسال البطاقة وليس القصف ولكن الملفت للانتباه هو اعتماد هذا المشهد الحزين في كرت بريدي.
Alice Poulleau. À Damas sous les bombes. Journal d'une Française pendant la révolte syrienne 1924 - 1926 (p. 89-90). Ed. Bretteville Frères, (Paris 1926).
No comments:
Post a Comment