Friday, February 4, 2022

مسيحيّو القلمون

 


كافّة المعلومات التالية مقتبسة عن مقال مصوّر بطول ٢٠ صفحة للجغرافي الفرنسي Richard Thoumin وعنوان "عبادة مار تقلا في جبل القلمون" نشر في عدد مجلّة Mélanges de l'Institut Français de Damas الصادر عام ١٩٢٩ عن المعهد الفرنسي في دمشق والمطبعة الكاثوليكيّة في بيروت. من الجدير بالذكر أنّ هذا العدد كان الأوّل والأخير لهذه الدوريّة التي تحوّلت عام ١٩٣١ إلى Bulletin d'Études Orientales مجلّة الدراسات الشرقيّة التي لا تزال تصدر إلى اليوم. 

بلغ عدد صفحات Mélanges قرابة المئتين وعدد مقالاتها سبعاً منها مقال Thoumin المذكور وآخر للمستشرق Jean Sauvaget عن سور حلب وثالث للعالم والفنّان الراحل خالد معاذ عن تربة ابن المقدّم ورابع بقلم Edmond Saussey عن الكلمات التركيّة في لهجة دمشق وغيرها من نتاج لفيف من ألمع روّاد علم الآثار الحديث آنذاك في سوريّا. 

أنتقل الآن إلى صلب الموضوع. بقي القلمون على مدى القرون خارج السبل المطروقة بما فيها الممتدّ بين دمشق وحمص والمحاذي لقسم من سلسلة الهضاب الثانية دون أن يسهّل النفوذ إليها. نتج عن ذلك تأخّر أسلمة الهضاب (مقارنة مع سهل دمشق وإقليم القطيفة) حتّى القرنين السابع عشر والثامن عشر عندما بدأت المسيحيّة بالتقهقر إلى أن لم يبق الكثير من القرى ذات الأكثريّة المسيحيّة اليوم ("اليوم" أي في عهد الانتداب الفرنسي) وأشهرها بالطبع صيدنايا ومعلولا. هناك أيضاً جاليات مسيحيّة هامّة عدديّاً هنا وهناك خصوصاً في يبرود التي يقطنها ألف وخمسمائة من المسيحييّن. 

يمكن بسهولة تعليل استمرار المسيحيّة في معاقل معلولا وصيدنايا في وسط المحيط الإسلامي بطبيعة موقعهما على منحدرات وعرة تفصل سلسلة هضاب القلمون الثانية عن السلسلة الثالثة ممّا يجعلهما أشبه بالقرى - القلاع. لا يمكن تخيّل ظروف أكثر موائمة من الناحية الدفاعيّة كما برهنت مؤخّراً أحداث ١٩٢٥-١٩٢٦ عندما عجز العصاة رغم الجهود التي بذلوها عن أخذ معلولا ولم يتكلّفو حتى عناء محاولة مهاجمة الحرز donjon المنيع الذي يشكّله دير صيدنايا. 

اعتنق الأهالي الإسلام في كلّ مكان حرمتهم فيه الشروط الجغرافيّة من الدفاعات الطبيعيّة ومع ذلك فقد حافظو على بعض العادات المسيحيّة. لربّما أظهر المتأسلمون حديثاً من الإزدراء للرعايا (أي أهل الذمّة) ما يكافىء أو حتّى يبزّ من أسلم قديماً ومع ذلك نرى لديهم ممارسات جبلت أسرهم عليها منذ العهد البيزنطي وعلى سبيل المثال ترسم نساء عين التينة وجبعدين المسلمات علامة الصليب على العجين ونرى مقبرة عين التينة مسوّرة ومعتنى بها على عكس المقابر الإسلاميّة الريفيّة وقبورها المهملة المهجورة.

هناك أيضاً دلائل مختبئة في اسم إحدى عائلات عين التينة "حوري" وهي أصلاً "خوري" أزيلت النقطة فوق الخاء منها عندما اعتنقت الإسلام. 

مثال آخر: لا يوجد مسيحي واحد اليوم في بخعة ومع ذلك لا تزال كنيستها قائمةً يحترمها الجميع بل أكثر من ذلك: يضيء المسلمون فيها شمعة على الدوام ويأتي رئيس دير مار تقلا من معلولا ليقيم فيها قدّاساً. 



للحديث بقيّة.













No comments:

Post a Comment