Tuesday, February 15, 2022

تلّ مسكن وتجمّعات المرج



يشكّل المرج المنطقة المتدّة بين النهاية الشرقيّة للغوطة غرباً ومصبّ بردى في بحيرة العتيبة شرقاً. تتخلّل جزيرات خصبة هذا السهل الأخضر شتاءً والأغبر الرتيب صيفاً وتشكّل هذه الجزيرات مرحلةً انتقاليّةً بين بساتين الغوطة وبادية الشام. تتجمّع القرى والمزارع الكبرى قرب آجام الأشجار. 


لا اختلاف في نماذج تجمّعات المرج السكّانيّة إذ يسمح ميلان الأرض الخفبف بسقاية أي مكان يصله الماء سواءً أتى من تفرّعات بردى أم من العيون الصغيرة الناجمة عن ترشّح هذه التفرّعات. إذاً لا داعي لبناء القرية خارج الأراضي الزراعيّة بهدف توفير التربة ومن الممكن إقامة البيوت في وسط هذه الأراضي. مع ذلك ليس توزّع القرى بالعشوائي والسبب أنّ المياه عزيزة وبالتالي تحتّم على الأهالي البناء حيثما استطاعوا الحصول عليها واستثمارها. تمثّل مجموعات الأشجار المتناثرة هنا وهناك الأماكن الموائمة لتجمّع البشر ولا تبعد بيوت الفلّاحين عنها الشيء الكثير. 


يعاين السائر من الغرب إلى الشرق شريطاً من الحور والصفصاف يمتدّ عدّة كيلومترات على طول مجرى بردى ولكن إذا تأمّل الأراضي إلى الشمال أو الجنوب من هذا الستار لا يجد شجرةً واحدةً على امتداد مئات الهكتارات. يكافح أهالي المرج ضدّ عوامل الطبيعة على مدار السنة: الفبضانات في أشهر الشتاء الماطرة والقحط في الفصول الحارّة. يحيا السكّان على شفير البؤس ويزيد البعوض الطين بلّة خلال ستّة من أشهر السنة إذ تتفشّى البرداء (الملاريا). أضف - من الناحية التاريخيّة - إلى هذه وتلك الخوف الدائم من غزوات البدو الذين يخيّمون في منطقة البحيرات اعتباراً من منتصف شهر أيّار. 


تبنى القرى أحياناً فوق تلال اصطناعيّة كما في حال تلّ مسكن أو على منحدرات بوارز أرضيّةٍ على تخوم السهل الرسوبي كما في الهيجانة. هذه المواقع قديمة للغاية بدلالة العثور على نقش كتابي يوناني في الهيجانة يعود إلى القرن الثالث للميلاد. هناك احتمال أرجح مفاده بناء القرى قرب أقنية على مستوى معيّن من الأهميّة ممّا يسمح بتصريف الماء وتجنّب الفيضان في الشتاء وفي نفس الوقت توفّر بقايا المجرى صيفاً ما يكفي للاستهلاك اليومي. ليس من السهل تمييز فيما إذا شقّت الأقنية قبل بناء البيوت حولها أو أنّها جرّت إلى أماكن تواجد هذه البيوت. على الأغلب الأقنية الرئيسة سابقة للبيوت نظراً لارتباطها بشبكة ريّ الغوطة التي تتلقّى فائضها من الماء في الفصول الممطرة أمّا الأقنية الثانويّة فمن المحتمل أنّها لاحقة للأبنية حولها شقّت خصّيصاً لتزويد التجمّعات السكّانيّة بحاجاتها. يبني الأهالي بيوتهم من الطين الذي يأخذونه من محيطهم ممّا يؤدّي إى تشكّل حفر حول القرية سرعان ما تتحوّل إلى مستقعات تحدّ من قدرتهم على التنقّل كما هو الحال في عدرا.    









      


Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arnault et Cie 1936

Thoumin, Richard-Lodois (1897-1972)  


Tall Maskan et le Marj

No comments:

Post a Comment