Sunday, February 13, 2022

بيوت معلولا

 


تعانق معلولا المنحدر الجبلي وتتشبّث بسفوح الجرف الصخري المهيمن عليها. لا داعي للبحث عن مخطّط للقرية كائناً ما كان إذ تبنى الدور بكل بساطة فوق أي مصطبة متوافرة ونرى في الأماكن الأكثر ارتفاعاً من البلدة بيوتاً تستند مباشرةً على الجدار الصخري إلى درجة حفر غرفة أو أكثر منها على حساب الحجارة الكلسيّة. نشاهد الصخور الساقطة في كلّ مكان وبعضها ضخمة الأحجام. تبدو هذه الصخور على أهبة التدحرج في أي لحظة نحو مجرى السيل ومع ذلك استطاع الأهالي الاستفادة منها إلى أقصى درجة ممكنة ببناء مساكنهم المتواضعة فوق أوجهها العلويّة المسطّحة وعلى جوانبها وإذا كانت الصخرة بارزة استعملت سقفاً لبيت أو حجرة ما. على نفس المنوال يعمّر الأهالي في المواضع الأكثر انخفاضاً إلى الحدّ الذي تسمح به وعورة الأرض وكثيراً ما نرى الطابق الأرضي والطابق العلوي في نفس البناء يطلّان على المنحدر دون أيّ اتّصال بينهما.    


معلولا أشبه ما تكون بالتيه باستثناء طريق السيّارات المؤدّي إلى دير مار تقلا الذي لم يشقّ حتّى عام ١٩٢٨. بالكاد تستحقّ دروبها الحجريّة اسم الأزقّة. تفرش الحصباء الزلقة هذه الدروب وتتخلّلها درجات محفورة في الصخر تسمح بالتنقّل من بيت إلى بيت بينما يشكّل مهدا السيلين المنجبسين من الفجيّن الجبلييّن مدخليّ القرية الرئيسين إلى متاهة البيوت ويعود ذلك إلى جفافهما في معظم فصول السنة وتساهم الفروع المشتقّة منهما في هذا الجفاف. تمثّل دروب القرية للغرباء دخلات مسدودة ولكنّها لأهل معلولا بمثابة طرق سالكة بكلّ معنى الكلمة إذ يدخل المرء من باحة دار إلى درج البيت المجاور ومنه إلى سطح البيت الثالث لينتهي به المطاف في درب ثانٍ. تمتدّ هذه الدروب تحت طوابق البيوت وعندما يخال لك أنّها على وشك الوصول إلى أعلى القرية تصادف على حين غرّة تغيّراً في المنحدر قد يصل إلى ثلاثين أو أربعين درجة. تتابع التقدّم معتقداً أنّك تتبع طريقاً بشكل الحافّة corniche لتجد نفسك على سقف ما. إذا ثابرت على التقدّم عبر دهليز يتلوّى بين جدارين فستصل إلى باحةٍ صغيرة ومنها إلى درج يقودك إلى البيوت العلويّة أو السفليّة. 


تتدرّج النساء والجرار على أكتافهنّ عبر هذه المتاهات والمنحدرات الوعرة مرّتين في اليوم من وإلى النبع ونصادف على الطريق من الدوابّ الحمير والماعز والبقر. معلولا منطوية على نفسها بالمقارنة مع قبائل البدو وقطعانها الكبيرة المترحّلة بين الجبال وصحراء الحماد. يعيش أهل معلولا مع الحيوانات التي تزوّدهم باللبن لاستهلاكهم اليومي في دار واحدة وليس من السهل إيجاد مكان لهذه البهائم إلى درجة الاضطرار لاستعمال الشرفات زرائباً للنعاج ومستودعاً يكدّس فيه علفها. 





No comments:

Post a Comment