ينعيّن على جميع قرى وادي بردى أن تواجه تحدّي طوفان النهر أوّلاً وأن تتجنّب التعدّي على الأراضي الزراعيّة المسقيّة ثانياً. لا خوف على أهل وادي منين والصاحب من الفيضان على الإطلاق إذ لا يرقى منسوب الماء فيه أبداً إلى درجة الطغيان على الحواجز digue والسبب الوحيد الذي يدفعهم إلى بناء بيوتهم فوق السفوح هو حرصهم على توفير التربة الخصبة للزراعة. بالمقابل بردى دائماً عرضةً إلى زودات مفاجئة وعنيفة عندما يتضخّم السيل ويجرف كلّ ما يصادفه في الوادي إلى درجة إغراق الأحياء المنخفضة في دمشق بين الحين والحين مؤدّياً إلى ترسّب طبقة من الطمي البنّي في الأزقّة والحوانيت قد تصل سماكتها إلى عشرة أو حتّى خمسة عشر من عشيرات المتر كما حصل فعلاً في نيسان عام ١٩٢٩. ليس من النادر أن تؤدّي هذه الفيضانات الناجمة عن العواصف إلى تيهور من الحصى التي تتدحرج في الوديان الثانويّة لتقلب الجدران وتهدم البيوت. يطغى النهر لعدّة أشهر على الأراضي التي تجاوره مباشرةً حتّى في أقلّ فصول الشتاء مطراً وعلى سبيل المثال يتعذّر تمييز مكان تفرّع نهر يزيد في الربيع عندما تذوب الثلوج ويغطّي اليمّ سرير بردى وقناة يزيد والمكان الذي تتفرّع عنه هذه القناة.
يجهد أهل وادي بردى - شأنهم في ذلك شأن أهالي القلمون - في الاستفادة من الأرضي المسقيّة إلى أقصى درجة ممكنة ومن هنا بعض الخصائص المشتركة بين الحالتين. تارةً تبنى البيوت على ضفاف أعلى فروع النهر وطوراً تتجمّع على مرتفعٍ يهيمن على البساتين وفي الحالتين تبنى على الأراضي البور الأقرب ما يمكن إلى التربة الزراعيّة وهكذا نرى كفر الزيت وجديدة الوادي مبنيّتان على ناتئين فوق المنخفضات المرويّة تماماً كما رأينا في عين التينة وينطبق الوصف ذاته على الهامة المشيّدة على المنحدرات الشماليّة للجبل المحاط بالبساتين من كلّ حدب وصوب. بالمقابل تأخذ دير مقرّن وعين الفيجة هيئة القرى المتمدّدة على طول الطريق على الحدود العليا للمناطق المسقيّة. تتميّز عين الفيجة بنواة من البيوت قرب النبع على سفح الخاصرة الجبليّة الفاصلة بين وهدين متوازيين بيد أنّ الغالبيّة العظمى من دورها تحاذي تماماً أعلى تفرّعات مجرى الماء.
No comments:
Post a Comment