Monday, February 7, 2022

مار تقلا في منين

 


احتفظت بلدتان في القلمون بذكرى مار تقلا الأولى معلولا والثانية منين وإن أخذت ممارسة الشعائر طابعاً دينيّاُ في الأولى ونموذجاً أميل إلى السحر والشعوذة في الثانية. 


يتّصل وادي منين مع سهل دمشق عن طريق خانق برزة وبالتالي سبق أهله سكّان هضاب القلمون عموماً في اعتناق الإسلام. تتوسّط التلّ هذا الوادي ويبجّل قاطنوها ضريح سيدي قاسم ويقيمون حوله الأعياد السنويّة. ينطبق الأمر ذاته على منين وقبر الشيخ جندر الذي يقال أنّه من أتباع الشيخ الرفاعي. إذاً يملك مسلمو وادي منين أوليائهم الذين يستطيعون الاستجارة بهم عندما تدعو الحاجة ويترتّب على ذلك أنّهم في غنىً عن اللجوء إلى شفاعة مار تقلا بصفتها كقدّيسة مسيحيّة. 


تكيّفت مار تقلا مع وضع منين الخاصّ وتحوّلت من قدّيسة إلى جنيّة متقلّبة المزاج - بين الخير والشرّ -يذكر اسمها الناس بمزيج من الاحترام والرهبة وعندما يسألهم الزوّار عن ماهيّة الأنقاض المتربّعة على جبل مار تقلا يصطنعون الجهل بينما هم في واقع الأمر أدرى الناس بالطقوس الضروريّة لاستجلاب عطفها ونعمتها ودرء نقمتها وانتقامها.


يقصد الناس مار تقلا منين لعلاح أمراض المفاصل والشلل كما هو الحال في معلولا حيث يؤتى بطالب الحاجة على متن حمار إلى قاعة (نرى مدخلها في الصورة الملحقة) ليستلقي على طاولة جانبيّة على يسارها مجمرة يتصاعد منها البخّور وتتلى في نفس الوقت جملة من الابتهالات (لم يستطع Thoumin الحصول على نصّها) ويوضع إناء في نقطة معيّنة من الردهة ليجمع الماء الذي ينضح من السقف. ينسحب إثر ذلك مرافق المريض مصطحباً حماره بينما يبقى العليل إلى الصباح ليشرب الماء الذي تجمّع في الإناء. 


الفرق الأساسي بين من يلتمس شفاعة مار تقلا معلولا وبين طالب الشفاء من مار تقلا منين أنّ الأوّل يذهب إلى المغارة المقدّسة في حبور واطمئنان واثقاً من تلبية طلبه آمناً على نفسه بينما يعرّض الثاني نفسه إلى الخطر إذ ليست الأرواح الهائمة في الجبل في مزاج طيّب على الدوام ومن هنا الأهميّة البالغة لأداء الطقوس يمنتهى الدقّة والحرص وإلاّ عرّض المريض نفسه إلى نقمة الجنيّة وسخطها وما لا يحمد عقباه من قصاصها.

  

إذاً تتجرّد مار تقلا منين من كسائها الديني لتصبح كائناً غير مرئي يثير الخوف أكثر ممّا يوحي بالثقة وبينما يصلّي الناس في معلولا نرى أهل منين يمارسون شعائر سحريّةً يرفضها أئمّة الإسلام ويدينها خوارنة المسيحيّة.    


مار تقلا في عرف أهل منين هي الجبل المهيمن من الأعلى على النبع والأنقاض التي تعلو الصخور والقدّيسة المسيحيّة التي مرّت من هنا والأرواح القاطنة في الموقع حاليّاً سواءً كانت روح مار تقلا بالنسبة للبعض أو الجنّ والشياطين التي حلّت محلّها.  




الصورة الملحقة (عام ١٩٢٩ أو قبل) لأنقاض مار تقلا في منين. لهذه الأطلال حديث خاصّ.







مسيحيّو القلمون


مار تقلا بين منين ومعلولا


مار تقلا معلولا بين المسيحييّن والمسلمين







No comments:

Post a Comment