Tuesday, June 15, 2021

عبد الناصر يتصدّى للتهديد التركي

 


أتابع اليوم رحلة الماضي وتحديداً خريف ١٩٥٧. لهذه الفترة أهميّة خاصّة تتعلّق بالطريق إلى الوحدة المصريّة-السوريّة. كالعادة أحتفظ بأي تعليق أو رأي أو تفسير للحواشي بعد نقل النصّ عن Paris Match كما هو للعربيّة. 


كتب المحرّر تعليقاً على الصورة كما يلي: "البحّارة المصريّون يهاجمون أسواق مرفأ اللاذقيّة". نبرة ساخرة لا التباس فيها. 


نأتي إلى متن المقال:

"يعجز الملايين من الناس إلى اليوم عن فهم الدور الذي تلعبه تركيّا بغتةً في المنافسة العالميّة بين عملاقيّ الشرق والغرب. تركيّا منذ سنوات طويلة أحد البلاد التي نسيها الناس أو كادوا مع أنّها ملكت في الماضي قطيع الشعوب العربيّة حتّى بحر عمان ومضيق أعمدة هرقل (١) قبل أن تخسر هذه الأقاليم أو تتخلّى عنها. لا يوجد اليوم ما يدعوا للتفكير أنّها تتحسّر على ما فقدته أو أنّها تطمح إلى فتحه من جديد (٢) بعد أن رسم لها كمال أتاتورك أهدافاً وطنيّة صارمةً ومحدودة محرّراً إيّاها من الادّعاءات الكونيّة للسلاطين العثمانييّن إلى درجة اقتلاع لغتها من سراب الشرق المعسول. (٣) تتحدّر تركيّا من نفس الأرومة الإنسانيّة التي تنتمي إليها شعوب الغرب (٤) وإن تميّز الأتراك بنقاء وصلابة ليس إدراكهما بالأمر اليسير.  أهل الأناضول من سكّان الجبال جنود قدّوا من الحديد كما أثبتوا عبر قرون من الحروب العثمانيّة وتحت ظروف مفزعة حاملين وحدهم تقريباً عبء إمبراطوريّة لم يتناسب حجمها مع إمكانيّاتها (٥) وقد رأينا منذ سبع سنوات ما أدهشنا من بسالتهم وصلابتهم في كوريّا. (٦) من العجب العجاب أن يتخيّل البعض أنّ إرسال مصر خمسة آلاف من جنودها المنتصرين في سيناء (٧) والمصفّحين بدبّابات من طراز ستالين يمكن أن يغيّر موازين القوى أو حتّى يساهم في الدفاع عن سوريّا. هزم الإسرائيليّون المصرييّن دون أن يحرّك السوريّون ساكناً (٨) أمّا عن الأتراك قسيقطّعون المصرييّن إرباً إرباً وسيلتهمونهم التهاماً (٩)".



(١) أعمدة هرقل هي مضيق جبل طارق في العهد الروماني - اليوناني ودعيت مضيق أعمدة ملقرت في أوج عظمة قرطاج. 

(٢) لا أعلم عن طموحات تركيّا في خمسينات القرن الماضي ولربّما كان مبعث تردّدها -إذا صحّ الكلام - الحاجة إلى وقت تهضم خلاله اسكندرون وكيليكيا. أعتقد أنّ طموحاتها في القرن الحادي والعشرين غير خافية على العليمين ببواطن الأمور. 

(٣) إشارة إلى تغيير أتاتورك للأبجديّة العربيّة إلى اللاتينيّة.

(٤) لا أعلم ماذا يقصد الكاتب بتعبير "الأرومة الإنسانيّة". إذا كان يريد القول أنّ الأتراك بيض فكذلك السورييّن والإيرانييّن والمصرييّن عموماً وإن اختلفت درجة "بياضهم" عن أوروبا وحتّى في هذه الأخيرة يختلف لون البشرة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. أمّا إذا كان القصد أنّ اللكنات التركيّة تنتمي إلى عائلة اللغات الهندو-أوروبيّة فهذا ببساطة غير صحيح. 

(٥) القول أنّ الأتراك وحدهم حملوا الإمبراطوريّة العثمانيّة على أكتافهم غير صحيح وأذكر على سبيل المثال وليس الحصر نظام الدفشرمة والطريقة التي اتّبعت لتجنيد الإنكشاريّة حتّى القرن السابع عشر.

(٦) الحرب الكوريّة ١٩٥٠-١٩٥٣ من أولى مواجهات الحرب الباردة بين الولايات المتّحدة وحلفائها من جهة والكتلة الشيوعيّة من جهة ثانية.

(٧) إشارة إلى حرب السويس ١٩٥٦. المؤلّف يهزأ من الجيش المصري ويشمت بهزيمته. لا غرابة في ذلك إذا تذكّرنا أنّ فرنسا شاركت إسرائيل وإنجلترا في الهجوم على مصر. 

(٨) الادّعاء أنّ السورييّن "لم يحرّكوا ساكناً" غير صحيح. أدّى نسف أنابيب شركة نفط العراق إلى أصداء داوية تردّدت في صحافة أوروبا وأسواقها الماليّة وأسعار عملاتها. 

(٩) أمّا أنّ الجيش التركي في خمسينات القرن العشرين كان أقوى من صنوه المصري بكثير فهذا لا شكّ فيه. تركيّا كانت أحد مكوّنات حلف شمالي الأطلسي وحلف بغداد. أمّا أنّ الجندي التركي مجبول من طينة مختلفة عن المصري فهذا كلام فارغ تشهد عليه أحداث ثلاثينات القرن التاسع عشر عندما ألحق جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا الهزيمة تلو الهزيمة بقوّات السلطان محمود الثاني ولولا تدخّل القوى الأوروبيّة لسقطت الإمبراطوريّة العثمانيّة تحت ضربات محمّد علي قبل ثمانين عاماً من انهيارها مع نهاية الحرب العالميّة الأولى. 







دمشق عاصمة للحرب الباردة


عندما كانت سوريّا قنبلة العالم الموقوتة


التهديد السوڤييتي


ما وراء المجابهة التركيّة - السوريّة







Paris Match 446. Samedi 26 Octobre 1957





No comments:

Post a Comment