سأحاول في الأسطر التالية رسم صورة لسوق الحميديّة ومدخله الغربي في منتصف القرن التاسع عشر معتمداً بالدرجة الأولى على وصف المبشّر الإيرلندي Josias Leslie Porter في كتاب خمس سنوات في دمشق الصادر عام ١٨٥٥. لهذا المستشرق آراء سياسيّة قد لا يستسيغها الكثيرون اليوم ولكنّه كموثّق لا يلقي الكلام جزافاً ويتحدّث عن خبرة مستشهداً بالمراجع العربيّة منها والغربيّة ومقارناً إيّاها مع دراساته الميدانيّة.
يبدأ Porter (صفحة ٤٨ من الجزء الأوّل) بمّا أسماه باب الحديد الواقع على بعد ٤٠٠ yard (يساوي اليارد الواحد تسعة أعشار المتر على وجه التقريب) شمال باب الجابية. يتعيّن عدم الخلط بين باب الحديد هذا وبين باب القلعة الشمالي المعروف بنفس التسمية إذ يتّضح من سياق الحديث أنّ الكاتب يتكلّم عن باب النصر تحديداً. سمّي هذا الباب باب الجنان حتّى أعاد صلاح الدين فتحه فأصبح باب النصر. تحوّل اسمه في العهد العثماني إلى باب الأروام أو باب سوق الأورام إلى أن هدم عام ١٨٦٣ (دعي أيضاً حسب المصدر باب السرايا وباب دار السعادة). لحسن الحظّ ترك لنا Porter وصفاً له ومع الأسف لا يوجد أي رسم أو لوحة أو صورة له في أي مصدر.
لا يترك وصف Porter مجالاً للالتباس أنّ المقصود باب النصر: "نرى السرايا أو القصر مقابل باب الحديد وهي الآن ثكنات وإن لا زالت المقرّ الرسمي للسرّ عسكر أو القائد الأعلى في سوريّا وهي عبارة عن مضلّع فسيح محاط بأبنية عاديّة وعلى امتدادها إلى الغرب ثلاث ثكنات إضافيّة كبيرة بناها إبراهيم باشا". السرايا قيد الحديث هي المشيريّة بالطبع (يشغل موضعها اليوم قصر العدل على شارع النصر أو شارع جمال باشا).
السور لدى باب الحديد مزدوج - يتابع Porter - وبالتالي هناك بوّابتان تبدوا أسسهما وجوانبهما قديمة (أي سابقة للإسلام) ونرى في البوّابة الخارجيّة بعض الحجارة المشطوفة بعناية.
"نلج عبر هذه البوّابة سوقاً ضيّقاً وطويلاً يدعى سوق الأروام وهو أحد أكثر أسواق المدينة إثارة للاهتمام ويستحقّ أن يزوره جميع الرحّالة لما يحتويه من الأزياء الخلّابة علاوة على الدروع العتيقة والسيوف والخناجر الدمشقيّة والخزف القديم الفاتن الشكل و المتلألىء الألوان والأسلحة المرصّعة بسخاء بالفضّة والذهب والأحجار الكريمة والأردية الرائعة المطرّزة بالذهب والأوشحة من الهند وكشمير.
يجلس التجّار المحترمون وسط بضاعتهم مصطنعين مهابة ووقار الأمراء أباً عن جدّ وهم في الحقيقة على أتمّ استعداد للغش والكذب كما يفعلون بدماثة القدّيسين خصوصاً عندما يقصدهم إفرنجي. كثيراً ما يسألهم الزبون خمس مرّات عن سعر السلعة وإذا نجح عن طريق المساومة في الظفر بها بنصف قيمة العرض الأصلي لا يعطيها التاجر له إلّا بتردّد وعن مضض مصطنعاً استسلامه للقضاء والقدر ومقسماً أنّه خسر في هذه الصفقة."
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩
Josias Leslie Porter. Five Years in Damascus
Jean-Michel Mouton, Jean-Oliver Guilhot, Claudine Piaton. Portes et murailles de Damas
No comments:
Post a Comment