Saturday, June 12, 2021

عندما كانت سوريّا قنبلة العالم الموقوتة


استعمل محرّر مجلّة Paris Match تعبير poudrière أي برميل البارود أو برميل المتفجّرات لوصف الردهة الصغيرة في سفارة مصر في دمشق حيث اجتمع وفود الروس والأمريكان والمصرييّن والسورييّن والأتراك في خريف عام ١٩٥٧. 


أنوي في الأيّام القليلة المقبلة نشر مجموعة صغيرة من الصور التي استعرتها من المجلّة مع مقتطفات من المقال الذي عرضها. سأعرّب الأصل الفرنسي بأمانة قدر المستطاع وأحتفظ بأي تعليق أو شرح للحواشي. أهميّة المقال أنّه ينظر للأمور من منظور الحرب الباردة في أوجها وكما نعرف جميعاً انتهت هذه الحرب بهزيمة الاتّحاد السوڤييتّي مع النصف الثاني لثمانينات القرن العشرين وانهياره الكامل في مطلع التسعينات. بدت الأمور مختلفة بالكليّة لجيل آبائنا وأجدادنا. 


ذيّل كاتب المقال الصورة بالتعليق الآتي: "رأى البحاّرة الروس في دمشق مجدّداً (١) طاغية ذو شنب عندما أهديت إليهم صور عبد الناصر". 


نأتي الآن إلى بيت القصيد:


واشنطن أبعد ما تكون عن الفخر أو الطمأنينة منذ أن بدأ السپوتنيك (٢) يسبح في الفضاء ومنذ أن أصبح تفوّق السوڤييت في مجال الصواريخ (٣) جليّاً للعيان ولكنّ الحكومة الأمريكيّة ملتزمة بواجبات لا تستطيع الإخلال بها تحت أي ظرف من الظروف: تركيّا عضو في منظّمة حلف شمالي الأطلسي وإذا تقاعست أمريكا في الدفاع عنها فلن يبق لها حليف وحد في العالم بأسره (٤) وستهيمن القوّة الروسيّة في هذه الحالة على أربع من القارّات الخمس وستضطرّ الولايات المتّحدة كملاذ أخير إلى الانطواء على نفسها وتحصين جبهتها الداخليّة وستلجأ إلى التعبئة الدائمة في انتظار العدوان الذي لا مفرّ منه (٥)  


 


(١) مقارنة واضحة بين ستالين وعبد الناصر: كلاهما ديكتاتور طاغية في عرف الكاتب وكلاهما يحمل شارباً.  


(٢) أطلق الروس sputnik 1 أوّل قمر صناعي عرفه العالم في الرابع من تشرين أوّل عام ١٩٥٧.


(٣) ساد اعتقاد في الغرب مفاده أنّ الولايات المتّحدة متخلّفة عن روسيا في مجال الصواريخ وأنّ هناك فجوة missile gap يتعيّن إزالتها لضمان أمن الغرب. أثبتت الأحداث لاحقاّ أنّ هذه الفجوة المزعومة مبالغ فيها إلى أبعد الحدود. 


(٤) هذا التهويل كان القاعدة وليس الاستثناء خلال الحرب الباردة واستعمل لتبرير حرب ڤييتنام وغيرها من منطلق أنّ التخاذل في الدفاع عن حلفاء أمريكا سيؤدّي إلى ما دعي Domino Effect يتهاوى تحت ضرباته مؤيّدي الغرب الواحد تلو الآخر إلى أن يصل الخطر إلى عقر دار أمريكا وأوروپا. 


(٥) لهجة دعائيّة صحافيّة موجّهة بالدرجة الأولى للدهماء والسذّج. نعم كانت روسيا دولة قويّة ومع ذلك كانت أضعف من الولايات المتّحدة بكثير من النواحي الاقتصاديّة والماليّة على الأقلّ أمّا عن حلفائها فشتّان بينهم وبين دول "المنظومة الإشتراكيّة" على جميع الأصعدة. لا أدري إذا أخذ أي سياسي مخضرم في الشرق أو الغرب احتمال "هيمنة روسيا على أربع قارّات" على محمل الجدّ. 




دمشق عاصمة للحرب الباردة






Paris Match 446. Samedi 26 Octobre 1957


 





No comments:

Post a Comment