روي عن النبيّ محمّد حديث نصّه: "كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار". مفهوم البدعة هنا ديني بحت وعلّ أقرب مرادفاته في الغرب كلمة "هرطقة" heresy ونستطيع إذا رددنا كلمة بدعة للأصل الثلاثي "بدع" إضافة مزيد من الكلمات ومنها مبدع وإبداع وليس معناها بالضرورة دينيّاً لا بل قد يكون إيجابيّاً.
ينظر كثيرون من كبار السنّ - وأنا اليوم منهم ولا فخر - إلى "البدع" - كلّ البدع -نظرة ريب وتوجّس وأذكر يوماً رأيت فيه خبّاز حارة سنّي يصفع يافعاً تجاوز دوره قائلاً "الله يلعن ها الجيل بابا حسن كلب" ومصلّح أجهزة كهربائيّة أرمني يشتم ما أسماه "الجيل الأعطل". لا يقتصر هذا الموقف على العادييّن من الناس وعلى سبيل المثال اعتبر البعض محاولات محمّد عبد الوهّاب للتجديد إساءةً للموسيقى العربيّة التقليديّة وإفساداً لأذواق الناس كما قال عميد الأدب العربي طه حسين على سبيل المثال.
من منّا اليوم يتصوّر أنّ مدرسة التجهيز كانت في عرف البعض تجسيداً لهذه البدع الممجوجة؟ ومع ذلك هكذا اعتبرها المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget في مطلع ثلاثينات القرن الماضي مثبتاً بما لا يحتمل الشكّ أنّ عداوة كلّ ما هو جديد (أو بالأحرى تطوير القديم وإلباسه حلّة جديدة) ليست وقفاً على شعب معيّن أو ثقافة معيّنة. أنقل في الأسطر التالية ما كتبه في هذا الصدد عن مدرسة التجهيز الأولى التي عبّرت عن "الفنّ الإسلامي الرسمي كآبدة على الطراز العربي مع زخارف على غرار عمائر القاهرة المملوكيّة":
"تبرز اليوم نزعتان: يميل البعض نحو أوروبّا وهؤلاء عادة نوادر المفكّرين السورييّن المهتمّين بالفنّ بينما تكتفي الجهات الوطنيّة الحكوميّة تحت شعار إحياء التراث العظيم للحضارة العربيّة بتقليد يبعث على اليأس والإحباط.. من الصحيح أنّ هناك القلائل ممّن يسعون إلى التوفيق بين الثقافة الغربيّة ونظيرتها الإسلاميّة عن طريق دراسة ذكيّة للأوابد القديمة والتقنيّات الحديثة كما فعل آخرون في الأدب والفلسفة والعلوم ولكنّنا نعتقد أنّ جهود هؤلاء مع الأسف ستبقى فاشلةً وعقيمةً ولن تستطيع عكس التيّار العارم الذي يجرف الفنّ السوري - الإسلامي إلى غياهب التاريخ".
Jean Sauvaget. L'architecture musulmane en Syrie. Revue des arts asiatiques 1934
Gabriel Saadé. Histoire de la musique arabe. Bulletin d'études orientales Tome XLV 1993.
No comments:
Post a Comment