Wednesday, July 21, 2021

غورو يستقبل فيصل

 


لا داعي للدخول في تفاصيل ملحمة يوم ميسلون ومآثر يوسف العظمة فجميعنا نعرفها عن ظهر قلب. ماذا عن العلاقات الفرنسيّة - الهاشميّة من ١٩١٨ إلى ١٩٢٠؟ 


نظر الفرنسيّون لفيصل والهاشمييّن منذ البداية بعين الريبة واعتبروهم - ولهذه النظرة ما يبرّرها - صنائع وأدوات لمنافسيهم الإنجليز. لم تمنع هذه التحفّظات باريس من معاملة فيصل بمنتهى اللباقة والذوق (الفرنسيّون رّواد في آداب السلوك أو etiquette) على الأقلّ في البداية كما يتجلّى من اللقاء الأوّل لهنري غورو Henri Gouraud وفيصل في Strasbourg في الخامس من كانون أوّل عام ١٩١٨ عندما أنعم الأوّل على الثاني بلقب ضابط في جوقة الشرف Grand Officier de la Légion d'Honneur. نقطة الخلاف كانت ليس محتد الأمير الهاشمي ولا حسبه وإنّما صفته: اعترف الفرنسيّون بالهاشمييّن على الحجاز وليس على سوريّا وبالتالي إذا رغب الإنجليز بجعله ملكاً (كما نادى T.E. Lawrence لورانس الذي كان شديد الإعجاب بفيصل وبالمقابل استخفّ بأخيه الأكبر عبد اللهّ: أعمدة الحكمة السبعة) فليكن ذلك في الأراضي التي خصّصتها الاتّفاقيّات الدوليّة لإنجلترا كما حصل فعلاً بعد طرده من دمشق وليس على حساب مصالح فرنسا والتزاماتها وانتدابها في المشرق. 


أنقل اليوم وصف الأديبة Myriam Harry لاستقبال غورو لفيصل في الرابع عشر من كانون ثاني ١٩٢٠ (اللقاء الثاني والأخير بين الزعيمين). كانت ذلك في غابة الصنوبر Bois des Pins في بيروت:


"تناول الحضور وجبة خفيفة في ردهة الكازينو بعد المباريات. أمسك المندوب السامي قدحاً من الشامبانيا بينما تناول الأمير فيصل كوباً من الليموناضة. تبادل الرجلان الأحاديث الوديّة ومع ذلك خيّم شيء من الاكفهرار على وجه الجنرال المشرق ممّا خفّف قليلاً من طيبة نظرة عينيه الزرقاوين. فيما يتعلّق بالشريف كيف يمكن قراءة الأفكار المعتصمة وراء حدقتيه الناريّتين وخلف الوشاح الحريري الرعوي (الحطاطة) المنسدل على جانبيهما؟ 


يتعذّر تخيّل شخصين أكثر اختلافاً من هذين الرجلين رغم أنّ قامتهما متماثلة على وجه التقريب. كلّ ما في الجنرال يشفّ عن الصراحة الفرنسيّة والحيويّة العسكريّة ووضوح المعالم أمّا أمير شبه جزيرة العرب فمختفٍ وراء طيّات قماش رداءه وثنايا معطفه التي لا يبدو من حلالها إلّا يديه الدقيقتين العصبيّتين الأشبه ما تكونا بيديّ سلطانة شرقيّة.   


يكاد فيصل أن يختزل وحده كلّ سرّ الإسلام الأخّاذ والمقلق في آن واحد. يكاد فيصل أن يجسّد كامل الدهاء المرهف والمراوغة لعرق كهنوتيّ (*) غارق في القدم استيقظ - بعد حلم دام ألفاً من الأعوام - بشكل صاعقٍ على العالم الحديث.


كيف يمكن لزعيمين مختلفين إلى هذه الدرجة أن يفهم أحدهما الآخر؟ كيف سيستطيعان التوفيق بين طموحاتهما الوطنيّة؟"


(*) إشارة إلى تحدّر فيصل والهاشمييّن من صلب النبي محمّد. 


أختم بالقول أنّ السيّدة Harry أعجبت بفيصل وتمنّت أن يصبح ملكاً وعلى ما يبدوا كان لديه جاذبيّة خاصّة للجنس اللطيف (كما قدّر لعبد الناصر أن يأسر قلوب الكثير من الشابّات السوريّات في عقد الخمسينات) بدلالة ما ذكرته المؤلّفة عن وفد نسائيّ من أربع سيّدات محجّبات أتين لاستقباله وعندما سئلت إحداهنّ ماذا سيكون موقفها لو خلع الشريف حجابها أجابت دون تردّد: فليفعل! إنّه ملكنا وهو الوحيد الذي يستطيع ذلك بلا جناح!






مريام هاري في دمشق


جنّة الإسلام






Myriam Harry


T.E. Lawrence. Seven Pillars of Wisdom


Rencontre Fayçal - Gouraud

1 comment: