كرّس جامع الحنابلة (مع المدرسة العمريّة الكبرى) مكانة الصالحيّة كمدينة تحمل الطابع الأيّوبي الذي لا زالت آثاره ظاهرةً إلى اليوم. حافظت الصالحيّة الواقعة على بعد حوالي كيلومترين عن دمشق على استقلالها عن الحاضرة الأمّ حتّى نهاية القرن التاسع عشر وربطتها بها "بوّابة الصالحيّة" على غرار بوّابة الله (طريق قافلة الحجّ جنوب الميدان) وباب الجابية (نسبة للجابية بين سهل حوران ومرتفعات الجولان) مع الفرق الشاسع في المسافات الفاصلة بين نقطة البداية (دمشق) ونقاط النهاية (الصالحيّة ومكّة وأقصى جنوب غرب سوريّا بحدودها الحاليّة).
الحنابلة ثاني جوامع دمشق يعد الأموي وعنى بناؤه في العقد الأوّل من القرن الثالث عشر للميلاد (بنيت العمريّة في نفس الفترة) أنّ الصالحيّة أصبحت مدينة يحسب لها حساب لها جامعها ومدرستها بله سوقها ومياهها (قناة يزيد) وسائر منافعها من حمّامات وسبل وهلمّجرّا.
سلكت الدوابّ قديماً (وما حملت من البشر على سبيل المثال الليدي Isabel Burton زوج القنصل الإنجليزي في دمشق ١٨٦٨-١٨٧١) الطريق الذي طالما عبره أهلنا بالترام وعبرناه على متن حافلات الديزل (الماظوت باللهجة الشاميّة) التي توقّفت من الشمال إلى الجنوب في المحطّات الآتية: العفيف - الجسر الأبيض - طلياني ورئيس - عرنوس - شهداء (قرية أرزة قديماً) - برلمان - بوّابة. لم تتجاوز المسافة بين المحطّة والمحطّة بضعة عشرات من الأمتار وأتساءل اليوم عن الحكمة في جعلها متقاربةً إلى هذه الدرجة.
التقطت الصورة الملحقة عن Herzfeld في مطلع القرن العشرين.
عبد القادر النعيمي. الدارس في تاريخ المدارس
No comments:
Post a Comment