يحسن قبل النظر في أساليب العمار في هذا الإقليم أن نستعرضه بسرعة من الناحية الجغرافيّة نقلاً عن الجغرافي الفرنسي Thoumin.
يطلق الأهلون تسمية القلمون على ثلاث هضابٍ شرق جبال لبنان الشرقيّة (وامتداداً لها).
نميّز بوضوح ثلاثاً من المرتفعات بين منين جنوباً ويبرود شمالاً. ترتسم هذه المرتفعات إلى الجنوب والشرق من الجدران الشاهقة المكوّنة من جبال لبنان الشرقيّة التي تتراكم الصخور الهاوية على سفوحها. تحدّ سلسلة القلمون الأولى والأخفض سهل دمشق وأحياناً لا تتعدّى القمم التي تتخلّلها سطوحاً حجريّة كبيرةً تتآكل طبقتها السطحيّة بانتظام تحت وطأة الحرارة.
يساهم الماء في حتّ هذه السطوح المرتفعة المليئة بالأنقاض المتساقطة من علٍ ومن حافّتها الشرقيّة. تنبسط المناطق البعيدة عن سيول الشتاء متماثلةً دون ما يلفت النظر كما في سهل القطيفة الذي يشكّل استمراراً لسهل جيرود. تارةً نرى كتلة جبليّة يرتسم ظلّها الممزّق فوق الحقول وطوراً بروزاً من الصخور éperon عن الهضبة بوضع ملائم لبناء قلعة كما قي حال صيدنايا حيث تهيمن جدران الدير السامقة فوق قاعدتها الحجريّة الصلبة على الأراضي المستوية المنخفضة المحيطة بها.
ليس الاتّصال بين هضبة وهضبة بالأمر السهل. يقطع وادي منين سلسلة القلمون الجنوبيّة (الأولى) ويؤدّي الممرّ على سفح جبل أبو العطا إلى سهل دمشق الذي يصله مع سهل القطيفة حيث يمكن اجتياز حافّة السلسلة الثانية عن طريق عتبة حلا أو شعاب خان العروس. لا يوجد بين هذه المعابر إلّا دروب نادرة يكاد يقتصر استعمالها على رعاة الماعز. تتجاوز صعوبة الوصول إلى سلسلة القلمون الثالثة هذه العقبات الكأداء إذ لا يوجد إلّا معبر طبيعي واحد يمكن استعماله على مدار الفصول يتمثّل في ثغرة يبرود. إذا استثنينا هذا الشرخ فلا يمكن الوصول إلى أكثر أراضي القلمون ارتفاعاً إلّا باعتماد خوانق جبعدين ومعلولا التي تشكّل دهاليزاً بتعذّر اجتيازها في موسم الأمطار وبالكاد يسمح عرضها بمرور البغال المسرجة (١).
تتغيّر تضاريس القلمون إلى الشمال من النبك وتشكّل الصدوع بين الهضاب مروحةً ينفتح فيها سهل جيرود على الشمال والشرق لينتهي في بادية الشام. تفصل جبال مار موسى ودير عطيّة هذه المناطق المجدبة عن المرتفعات المجاورة التي تزداد صعوبة تمييزها باتّجاه الشمال.
تحدّد ثغرة يبرود منشأ وادٍ ينحدر باتّجاه الشمال والشرق. نعاين على مسافاتٍ متباعدةٍ في الأراضي المنبسطة عيون ماء تربط بينها أشرطة من الحصى. يحتوي هذا المنخفض على الغضار argile الذي يعطينا بالتماس مع الأراضي الكلسيّة المجاورة الصلصال terre glaise والطين الجيري marne.
يزداد الارتفاع نحو الغرب عبر أنقاض الهضاب العالية وتختفي الجدران الجبليّة ليحلّ محلّها كتل صخريّة معزولة وضيّقة من بقايا التضاريس القديمة.
(١) شقّ معبر رنكوس عام ١٩٢٧ وحتّى هذا الطريق الممهّد لا يسمح بمرور السيّارات في موسم الشتاء.
Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arnault et Cie 1936.
Thoumin, Richard-Lodois (1897-1972)
No comments:
Post a Comment