تعرّضت أمس إلى المعايير المزدوجة للصحافة العالميّة وتركيزها في الموضوع قيد البحث على التحرّي عن مصير الأسرى والمفقودين الإسرائيلييّن دون أدنى اهتمام بالمصرييّن والسورييّن. الأسير الإسرائيلي له إسم ووجه وزوج (أو حبيبة) وأطفال وأسرة أمّا السوري والمصري فهما جنديّان مجهولان لا خير يرجى من التقصّي عنهما ولا سبق صحفي يتوخّى من ورائهما. هناك مع الأسف ما هو أخطر وأجلّ شأناً من ذلك بكثير: لم تبد القيادات السوريّة (ولربّما المصريّة) ولا صحافتها المتخلّفة من الغيرة على وضع أسراها بمعشار ما أبدته الإسرائيليّة وعلى علمي بقي الجندي السوري لا وجه له ولا هويّة إلى أن باشرت الضباع نهش لحم البلاد في الحرب الشعواء انطلاقاً من "ربيع" عام ٢٠١١ ورأينا خلال مآسيها للمرّة الأولى الرئيس السوري الشابّ بشّار الأسد وقرينته السيّدة أسماء وأولادهما يتفقّدون الجرحى في بيوتهم ويواسون الثكالى والأرامل والأيتام ومن فجعوا بأحبّائهم وذويهم.
أبدأ الآن بتعريب النصّ الفرنس كما هو كالعادة مع التعليق في الحواشي.
"عرفت عن طريق كولّيت خوري - روائيّة تعادل شهرتها في الشرق الأدنى العربي شهرة فرانسواز ساغان لدينا - عن وجود طيّار إسرائيلي قيد العناية في مشفى المزّة العسكري الذي أصيب بالقنابل الإسرائيليّة في نفس الوقت الذي تواجد فيه الطيّارون الأسرى على طاولة العمليّات. فوجىء هذا الطيّار في العشرين من تشرين الثاني - نوفمبر - باحتفال عيد ميلاده الذي حضره طبيبه الدكتور هنري زازا (١) مصحوباً بأجمل ممرّضة في المشفى (٢). تساءلت فيما إذا تمّ التقاط صور بهذه المناسبة وكان الردّ بالإيجاب واستطعت الحصول على هذه الصور. أضف إلى ذلك أنّني ذهبت عشيّة عيد الميلاد لزيارة الكابتن غابي أويرسون (السرب التاسع عشر رقم٤٩٩٣٠٠) بمساعي الدكتور ابراهيم نعامة رئيس المشفى (٣). رأيت علبة سجائر ويلسون على الطاولة إلى جانب سرير الأسير مع علبة محارم كلينكس التي لا غنى عنها. أوشكت عيناه أن تدمعا عندما أعلمته أنّ أسرته سترى صوره وقال لي: معاملتي هنا جيّدة للغاية وأمنيتي الوحيدة أن أرى أهلي ثانيةً".
(١) من الممكن أن يكون الاسم الأخير ظاظا ولكنّي أميل للاحتمال الأوّل استناداً إلى ذكر هنري زازا في صفحة نعوة على الشبكة.
(٢) لا شكّ بوجود هدف دعائي من وراء استعراض من هذا النوع ولربّما اعتقد المسؤولون أنّهم أحرزوا نصراً إعلاميّاً كبيراً عندما تعطّفت المجلّة الفرنسيّة فنشرت عنهم. اعتراضي هنا أنّه من العبث محاولة مجاراة إسرائيل في العلاقات العامّة في الغرب أوّلاً ومن المخزي التسابق لالتقاط صورة بمعيّة أسير مغمور "مع أجمل ممرّضة في المشفى" وكأنّ هذا شرف عظيم ثانياً. هل كان الدكتور والممرّضة - مع كامل احترامي لهما - ليتنازلان بالتصوير مع جريح سوري؟ بل أكثر من ذلك: من سمع بطبيب إسرائيلي يصطحب "أجمل الممرّضات" ليتصوّر مع أسير سوري ولو في الخيال والأساطير؟ معاملة الأسرى بإنسانيّة شيء وتملّقهم كنجوم سينما شيء آخر.
(٣) لربّما كان الاسم نعمة أو ناعمة وأعتقد أنّ الصواب الدكتور ابراهيم نعامة الذي اغتيل عام ١٩٧٨.
Pierre Démeron. Paris Match 1287 (5 janvier 1974).
On a vu des israéliens à Damas
No comments:
Post a Comment