نشر الكاريكاتور الملحق في عدد مجلّة Paris Match الصادر في الخامس من كانون الثاني (يناير) ١٩٧٤ ونرى فيه على اليمين ليونيد بريجنيف السكرتير العامّ للحزب الشيوعي السوفييتي (١٩٦٤-١٩٨٢) ممسكاً بديك يمثّل ملك السعوديّة فيصل بن عبد العزيز وعلى اليسار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يمسك ديكاً آخر يمثّل السيّدة غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل (١٩٦٩-١٩٧٤). المقصود بالطبع صراع القوّتين العظميين آنذاك عبر تابعيهما في الشرق الأدنى السعوديّة عن الروس وإسرائيل عن الأميركان. لربّما أضحك هذا الرسم البعض في الغرب ولكنّه - بغضّ النظر عن روح النكتة لدى الرسّام - مضلّل إلى أقصى الحدود: السعوديّة لا ولم ولن تكن في يوم من الأيّام تحت وصاية الروس بل كانت ولا تزال محميّة أمريكيّة منذ اجتماع الملك عبد العزيز مع الرئيس الأميركي Franklin Delano Roosevelt في العشرين من شهر شباط (فبراير) عام ١٩٤٥ على أقلّ تقدير. صحيح أنّ ظروفاً تاريخيّة معينةً دفعت الرياض إلى تمويل المجهود الحربي المصري السوري بعد هزيمة ١٩٦٧ وساهمت في استعمال "سلاح النفط" المزعوم ولكن هذا لا يعني مطلقاً انحياز السعوديّة إلى المعسكر الشيوعي بأي شكل من الأشكال.
آتي الآن إلى مقال للصحفي Robert Serrou في نفس العدد بعنوان "العرب يزورون البابا سرّاً". البابا المعني بولس السادس والزيارة المشار إليها كانت قبيل عيد الميلاد لعام ١٩٧٣ على هامش مؤتمر جنيف أمّا الزوّار فهم الرئيس السوداني جعفر النميري (بالوكالة عن الملك السعودي فيصل) وإمبراطور الحبشة "النجاشي" هيلاسيلاسي وجيمس غرين نائب رئيس ليبيريا وغيرهم. هدف الزيارة جسّ نبض البابا في موضوع تدويل القدس. الأسطر التالية تعريب توخّيت فيه الأمانة لمقتطفات من المقال الفرنسي وأترك أي تعليق أو إيضاح للحواشي:
"صرّح الكاردينال المونسينيور del Val وزير خارجيّة الفاتيكان عام ١٩٠٤: كيف نقبل أن يصبح اليهود سادة القدس دون أن نتخلّى عن أسمى مبادئنا؟! وأتى البابا بيوس الثاني عشر عام ١٩٤٩ منادياً بتدويل المدينة المقدّسة ومحيطها. كان المونسينيور Montini من أتباع بيوس الثاني عشر وشاركه رأيه قبل أن يتبوّأ العرش البابوي تحت اسم بولس السادس ويقوم بإرسال المونسينيور Giovanni Benelli نائب وزير خارجيّته إلى الديار المقدّسة في كانون الثاني - يناير ١٩٧٢. أجرى بنللّي اتّصالات غير رسميّة مع السلطات الإسرائيليّة وعاد إلى روما مقتنعاً باستحالة إقناع اليهود بالتخلّي عن القدس وبالتالي بتعيّن البحث عن حلول أكثر واقعيّةً مهما كان الثمن. منذ ذلك التاريخ اختفت الإشارة إلى تدويل القدس في وثائق الفاتيكان الرسميّة وحلّت محلّها الدعوة إلى السماح بحريّة الدخول إلى الأماكن المقدّسة ونصّب البابا نفسه ناطقاً باسم الديانات الثلاثة داعياً إلى فتح المجال أمام الجميع للزيارة بما فيهم اليهود (إلى حائط المبكى) والمسلمين (إلى قبّة الصخرة والمسجد الأقصى).
هل ينجح هذا الاقتراح في الحصول على تأييد كافّة الأطراف المعنيّة؟ كي يحصل ذلك يتعيّن القيام بتنازلات متبادلة: يتعيّن على العرب (١) التخلّي عن المطالبة بالمدينة القديمة التي كانت في حوزتهم قبل الحرب ويتوجّب على اليهود (٢) التنازل عن جزء من سيادتهم في عاصمتهم (٣) عينها. لا يمكن التوصّل إلى تسوية دون تضحيات. صحيح أنّ مدافع بريجنيف (٤) ودولارت نيكسون (٥) لها وزنها بيد أنّ القدس ليست مدينةً كسائر المدن. كانت مدينة داود منذ البداية ولا زالت مدينة التحدّيات الدائمة والإنجازات المتكرّرة. إنّها مدينة مقدّسة لا يملك بولس السادس إلّا أن يهتمّ بمصيرها وهكذا نرى أنّ طريق السلام يمرّ في روما (٦) بغضّ الظر عمّا سيحصل في جنيف".
(١) و (٢) العرب انتماء لغوي واليهود إنتماء ديني والخلط بين الإثنين هو القاعدة شرقاً وغرباً حسنت النيّة أم سائت.
(٣) الغالبيّة العظمى من السفارات في إسرائيل وإلى اليوم موجودة في تلّ أبيب وليس القدس.
(٤) و (٥) "مدافع بريجنيف ودولارات نيكسون". إذا كان القصود أنّ الاتّحاد السوفييتي سلّح العرب فبالتأكيد لم تقصّر الولايات المتّحدة في تسليح إسرائيل وليس فقط تمويلها.
(٦) مع كامل الاحترام لسلطة البابا الروحيّة والدينيّة فطريق القدس (أو السلام أو الحرب) توقّف عن المرور في روما مع نهاية الحملات الصليبيّة.
No comments:
Post a Comment