Friday, January 28, 2022

حرمون والجولان

 


تذكّرنا القرى التي تمارس الزراعة على سفح حرمون الشرقي بالقلمون إذ هناك تشابه في المناخ بين المنطقتين باستثناء أنّ الجولان أقلّ جفافاً. يتوخّى الأهالي مصادر المياه ويستوطنون أعالي فروع الأنهار. يمكن تمييز نوعين من القرى: الفقيرة منها والغنيّة بيد أنّ الفارق نسبيّ يقتصر على كون الحياة في الأخيرة منها أقلّ صعوبةً من الأولى. 


تتناثر القرى الفقيرة على محيط الإقليم قيد الحديث وقلّما تمتلك أرضاً زراعيّةً وتعاني من نقص في الماء الضروري للاستعمالات المنزليّة. نشاهد هذه التجمّعات في الأراضي البركانيّة التي تغطّي السفوح الدنيا لكتلة الجبل. الحياة في هذه القرى صعبة ممّا يدفع الأهالي للنزوح عنها.  


تشكّل هذه المستوطنات البائسة نوعاً من الواجهة نحو الشرق والجنوب الشرقي ولا يوجد ما يدعو للاعتقاد أنّ توزيعها تبع مخطّطاّ مبيّتاً بيد أنّ مظاهر الفقر البادية عليها تجعلها بمنأى عن أطماع النهّابين الذين يعزفون عن تسلّق منحدرات حرمون أملاً بالعثور على غنيمةٍ تستحقّ العناء. 


مع ذلك إذا تابعنا التغلغل في الجبل لصادفنا قرىً موسرةً إلى حدّ ما أملى مكانها توافر الماء الضروري للزراعة. تقسم هذه القرى بدورها إلى مجموعتين: تتواجد المجموعة الأولى في أعالي وادي الأعوج وخصوصاً المنحدرات التي تسطع عليها الشمس والمحميّة في نفس الوقت من رياح الشمال على ارتفاع يتراوح بين ألف ومائة إلى ألف وثلاثمائة من الأمتار. تغطّي البيوت السطوح والأراضي القليلة الانحدار المهيمنة على الخوانق التي يتدفّق السيل عبرها. 


بنيت هذه الدور واختيرت مواقعها دون أدنى مراعاة للاعتبارات الدفاعيّة كونها معزولة عن سائر مناطق الجبل ويكفي نتاج الحقول وحليب الماعز لتغذيتها. كان هذا الإقليم إلى أمد ليس بالبعيد مرتبطاً مع قطنا - أقرب بلدة إليه - بدرب للبغال يتعذّر المرور فيه في فصل الشتاء وبقي الوضع كذلك إلى أن شقّ طريق للسيّارت الخفيفة عام  ١٩٢٩.


المجموعة الثانية هي القرى المتواجدة على سفوح المنحدرات المرتفعة التي تعترض الغمامات القادمة من البحر المتوسّط والجليل وتتلقّى أمطاراً تكفي لزراعة الزيتون والكرم والتين والقمح دون لزوم السقي. تغني هذه الظروف المناخيّة القرى عن الحاجة لاستيطان المناطق قرب مجاري المياه وعلى سبيل المثال لا نجد أي نبع في جباتا الزيت التي تعتمد فيما يخصّ مياه الشرب على خزّاناتها حصراً وإذا كانت الكميّة غير كافية تتدرّج النساء الهوينا إلى الجدول الأقرب على بعد حوالي مائة متر أسفل القرية. 


تنشد هذه الزمرة الثانية من القرى نفس درجة العزلة التي تريدها الأولى ويتعيّن الحكم على موقعها ليس بالنسبة لطريق بانياس - القنيطرة الحديث (١٩٢٦-١٩٢٧) وإنّما للدروب المطروقة في العهد العثماني والتي لا شكّ أنّ معظمها يعكس شبكة طرقات العهد المملوكي.


تلتفّ الطريق الحاليّة حول كتلة الجبل وتحاذيه إلى أقرب درجة ممكنة عبر وادي اليرموك (شريعة المناذرة). يمكن زيارة قرى حرمون عبر هذا الطريق إذ لدينا درب موائم للسيّارات يقودنا إلى مجدل شمس - المركز الإداري للناحية - بينما تؤدّي دروب ثانويّة مناسبة للبغال إلى سائر المواقع. 


لا يمكن دراسة هذه المجموعة من القرى دون ذكر بانياس (قيسارية فيليب) وهي أشهر تجمّع بشريّ في هذا الإقليم إطلاقاً نظراً لموقعها وقلعتها الصليبيّة. تنتمي بانياس من ناحية تضاريس الأرض إلى حرمون دون أدنى شكّ إذ تتسلّق دورها بداية سفوحه وليس من المبالغة القول أنّها بالأحرى آخر قرى سهل الحولة. 


أغلب سكّان هذا الإقليم - سفح حرمون الشرقي - مسيحيّون ودروز وإن كان أهل بانياس من السنّة حصراُ. لا تتلقّى قرى الجبل من ماء السقي إلّا النزر اليسير بيد أنّ بانياس شذّت عن هذه القاعدة إذ حبتها الطبيعة بموارد مائيّة من الغزارة بما يسمح بسقي البساتين يوميّاً. يختبىء أهالي حرمون ويعيشون بمنأى عن خطوط المواصلات باستثناء بانياس التي كانت بمثابة نقطة عبور منذ أقدم الأزمنة وفي الوقت الذي ينطوي فيه سكّان التجمّعات المجاورة على أنفسهم نرى أهل بانياس يشاركون في حركة التبادل التي تربط بين حرمون والحولة وجنوب لبنان إلى درجة تختفي معها العادات المحليّة أو تكاد: من الممكن أن نرى مخلّفات من قبور الأولياء - المزارات - تحت شجرة خضراء جميلة هنا أو هناك في نفس الوقت الذي تلتمس فيه المسلمات أثواب العيد لدى خيّاطات مرجعيون.







Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arnault et Cie 1936.


Thoumin, Richard-Lodois (1897-1972) 

No comments:

Post a Comment