Monday, April 11, 2022

الغاب اعتباراً من الحروب الصليبيّة

 


استقرّ الصليبيّون في أنطاكيا وقامو بتحصين مواقعهم على ساحل البحر المتوسّط وبنو العديد من الحصون في جبال الأنصاريّة واهتمّو خصوصاً بالسيطرة على الثغرات المؤدّية من الساحل إلى الداخل. اعتصم الإفرنج في أفاميا والعرب المسلمون (أو من أسمتهم أوروبا Sarrasins) في شيزر وشيخ الجبل (المقصود رئيس الحشّاشين أو بالأحرى الإسماعيلييّن - الباطنيّة في أدبيّات القرون الوسطى) في مصياف.


يجفّ الغاب في فصل الصيف ويصبح ميداناً مناسباً للخيّالة ومرتعاً للهجمات المباغتة وعمليّات السطو. بالمقابل يستطيع صاحب حرز أبو قبيس إشعار المدافعين عن أفاميا بخروج الخيّالة العرب من شيزر ليتّخذ الإفرنج الإجراءات الدفاعيّة المناسبة. تركّزت مقاومة اللاتين في جبال الأنصاريّة - من أنطاكيا إلى طرابلس -بعد كارثة حطّين (١١٨٧ للميلاد) ودخول صلاح الدين إلى القدس. أصبح الغاب بمثابة منطقة دفاع متقدّمة أمام الحائط الجبلي الأشبه بالسور. 


تجدّد النزاع في النصف الثاني للقرن الثالث عشر عندما وجّه بيبرس قاهر المغول جيشه ضدّ الصليبييّن وأخذ أفاميا ثمّ أنطاكيا (١٢٦٧ للميلاد) قبل أن يهاجم "الحشّاشين" ويفرض إرادته على قاطنيّ جبال الأنصاريّة. 


تلاشت مع هذه التطوّرات آخر آثار الازدهار الذي عاشه الغاب في العهود الآراميّة واليونانيّة. استقرّ معظم الفلّاحين في المرتفعات التي تؤطّر الإقليم واستمرّو في زراعة السهل الجنوبي ورعي مواشيهم على تخوم المستنقعات وإن كانت هذه النشاطات عائدةً إلى تعلّقهم بالأرض وتقاليدهم الموروثة وميولهم الاجتماعيّة للمحافظة على حياةٍ حضريّةٍ مستقرّة أكثر منها إلى موارد المنطقة الاقتصاديّة. 


أغلق المسلمون (أي السنّة) على أنفسهم أبواب حصونهم بينما استقرّ المسيحيّون على حافّة الهضبة وعاش النصيريّون في الجبال على الجانب الآخر من الغاب الذي هجره الفلّاحون وعمّه البؤس وأصبح خراباً يباباً. بالطبع كان أهل حلب وحماة على درايةٍ بصيد سمك السلّور في المستنقع ولكنّهم لم يعيروا أدنى اهتمام للقروييّن الواقعين تحت رحمة بدو الموالي من جهة والنصيرييّن من جهة ثانية. 


شكّل الغاب منطقة حدوديّةً بين الخليفة وإمبراطور بيزنطة ثمّ بين دويلات الإفرنج والأقاليم المسلمة العربيّة وهكذا انعدم الأمن وتحوّل طريق القوافل عن هذا الإقليم. أضف إلى ذلك تدهور أنطاكيا من سيّءٍ إلى أسوأ وتناقص عدد الراغبين في زيارتها والتبادل مع أهلها. 


غيّب النسيان الغاب أو كاد في العهد العثماني وأصبح مجرّد منطقة حدوديّة بين الجبال تفصل بين السنّة شرقاّ والنصيريّة غرباً.







شطحة


سهل الغاب


سكّان الغاب




عن مسالك سوريّا قبل الإسلام


الغاب بين الهلال والصليب: العهد البيزنطي 





Richard Lodoïs Thoumin. Le Ghab. Revue de Géographie Alpine 1936 pp. 467- 538


Le Ġāb dans l'histoire: les Croisades

No comments:

Post a Comment