تارةً ما تصل المياه حتّى ضفّة القرية كما نرى في الجمّاسة وطوراً تنفذ إليها من كلّ حدب وصوب كما في الكريم (الصورة الملحقة) الجاثمة على ترسّبات الطمي القريبة من العاصي. يتغلغل اليمّ بين المساكن والأراضي الضيّقة المزروعة بالخضار وتتكاثر الخلجان الصغيرة وبوارز الأرض المغطّاة بنباتات القصب بينها. تشكّل البساتين الضئيلة المسيّجة بسيقان القصب أشباه جزر حقيقيّة لاصقة بالبيوت التي تشكّل حاجزاً بطول خمسة عشر متراً يسدّ البرزخ الذي يصلها باليابسة ويمكن استعمال زورق للتنقّل من إحدى مجموعات البيوت إلى المجموعة المجاورة.
تتجمّع العائلات مساءً في ساحة القرية الصغيرة حيث تدعو أنغام الناي الرجال والنساء إلى رقص الدبكة في حفلات الزفاف وحيث يلتمّ الجيران في الأفراح والأتراح. لا تتجاوز هذه الساحة الثلاثين متراً في الصيف أمّا في الشتاء فتتحوّل إلى لسان صغير من الأرض وأحياناً يطغى الماء عليها بالكامل.
تختفي ترسّبات الطمي التي ترقد القرى فوقها في الشمال تحت سطحٍ مائيٍّ واسع تتكسّر أمواجه القصيرة على الشطآن المسودّة أمّا في الجنوب فلدينا غابة هائلة من القصب تتشابك القنوات بينها حول جزيراتٍ يحسن عدم المغامرة بوطئها. تتعرّج هذه الأقنية صوب التوينة والخندق وتشكّا تيهاً من الدروب التي يصعب العثور عليها حتّى مقارنةً مع الدروب التي تتسلّق جبال الأنصاريّة وجبل الزاوية.
يرتفع منسوب مياه المستنقع مع بداية فصل الأمطار ليغطّي آكام الطمي الذي نشاهده في أيلول وبالنتيجة تنغمر سيقان القصب تحت الماء باستثناء ذراها ويصل الفيضان إلى مستوى المساكن التي يتحتّم إخلاؤها لتلجأ النساء والأطفال إلى الشريعة بينما يبقى الرجال في الكريم بغية صيد السمك.
ما الذي دفع البدو إلى استيطان إقليم الغاب؟
قرى المستنقعات: البيوت الصيفيّة
Richard Lodoïs Thoumin. Le Ghab. Revue de Géographie Alpine 1936 pp. 467- 538
No comments:
Post a Comment