تعاود الزخارف الطينيّة انتشارها إذ نيمّم صوب الجنوب وإن أخذت شكلاً مختلفاً في سهل حوران عنه في قرى حرمون.
تتفاوت أهميّة الزخارف الطينيّة في حوران من موقع إلى آخر وعلى سبيل المثال تنأى القرويّات في خبب وبصير عن هذه الأشغال شيئاً فشيئاً ويتلاشى هذا الطراز من الزينة في الصنمين حيث لا يسمح عوز الماء والخشب بترفٍ من هذا النوع. بالمقابل نرى في غباغب زخارفاً منوّعةً تختلف في طرازها عمّا سبق وصفه إذ نعثر على رفوفٍ مزدوجة استعيض فيها عن المحاريب niches المستديرة والمسنّنة بقولبةٍ أكثر صرامةً تغيب فيها الخطوط المنحنية. كثيراً ما يركّز الفنّان (بالأحرى الفنّانة) جهده على خزائن الفرش واللحف ويزخرف القسم العلوي منها بالأشواك أو بعناصر مكرّرة motifs لا تعرفها الأقاليم التي درسناها حتّى الآن كما في صلبان اللورين croix de Lorraine والصلبان المرسومة ضمن الأشكال المعينيّة losanges والمربّعات.
تأخذ نساء سفوح حرمون على عاتقهنّ مسؤوليّة زخرفة صوامع silos الحبوب. شتّان بين ما نشاهده هنا وبين ما رأيناه في قلانس hottes مدافئ (كوانين) المرج والقلمون. تودع المؤن بين جدارين متوازيين يبعد أحدهما عن الآخر مسافةً تتراوح بين خمسٍ إلى ثمانيةٍ من أعشار المتر أمّا عن ارتفاع الجدار فيترواح بين المتر إلى الثلاثة أمتار. يستند هذان الجداران على أحد الحيطان ويفتح دهليز مظلم على الدوام في الخلف. تقسم جدران داخليّة cloisons هذه الخزانة الكبيرة إلى حجيرات compartiments يفتح في قسمها العلوي فجوات تصبّ من خلالها الغلال بينما يفتح في القسم السفلي من جدارها المطلّ على الردهة ثغرات صغيرة تسكب من خلالها الحبوب عندما يأتي وقت استهلاكها. ينصبّ اهتمام وخيال الشخص القائم بالزخرفة على هذا الوجه من الجدار حيث توافق قولبات عموديّة في الخارج مكان الجدران الداخليّة. تزيّن الألواح نجوم ووردات زخرفيّة rosaces ويضاف إليها رسوم حمراء وزرقاء وكسر من الزجاج وبطاقات بريديّة ملوّنة.
الرسم الملحق مخطّط لرفوف وخزائن الفرش واللحف في غباغب مع نماذج من زخارفها ونرى صليب اللورين في منتصف الشكل ٧. الصورة لمستودع حبوب من بقعسم.
أنهي - ولا أختم - بهذا المنشور تعريب كتاب "البيت السوري في سهل حوران ووادي بردى وهضاب القلمون" لمؤلّفه الجغرافي الفرنسي Richard Thoumin. بدأت هذا العمل في الرابع من كانون الثاني عام ٢٠٢٢ وأعتقد أننّي فعلت ذلك دون أدنى انتهاك حقوق الملكيّة والطبع والنشر على اعتبار أن الكتاب رأى النور عام ١٩٣٢ وأنّ المؤلّف العالم المأسوف عليه توفّي عام ١٩٧٢. أرفقت النصّ الفرنسي مع التعريب لتسهيل الرجوع للأصل للمهتمّين وإيماناً منّي بأنّ الترجمة - حتّى ترجمة المحترفين ناهيك عن الهواة على شاكلتي - تبقى نسخة معدّلةً ومشوّهةً عن الأصل مهما توخّى الناقل الأمانة في نقله. أضف إلى ذلك أنّني توسّعت في عدد من المواقع (مثلاً معلولا ويبرود ومنين وحلبون وعدرا) مستنداً بالدرجة الأولى إلى مقالات لنفس المؤلّف وإلى كتابه المعنون "جغرافية سوريّا المركزيّة البشريّة".
أنوي جمع تعريب محتويات كتاب "البيت السوري" بنفس الترتيب الذي اختطّه المؤلّف مع كافّة الصور التي احتواها هذا العمل القيّم في كتاب إلكتروني PDF عسى أن يستمتع ويستفيد منه المهتمّون. لا أعلم كما ستستغرق هذه المهمّة من الوقت إذا أخذنا بعين الاعتبار التحدّيات التقنيّة التي أتوقّعها كمبتدىء والتي أرجو أن أتغلّب عليها بالنتيجة.
سوريّا الحبيبة في قلوبنا وعيوننا إلى الأبد.
زخرفة البيت السوري حسب إمكانيّات الأسرة
دير قانون وأسلوب الزخرفة في وادي بردى
Richard Lodoïs Thoumin. La maison syrienne dans la plaine hauranaise: le bassin du Baradā et sur les plateaux du Qalamūn. Paris, 1932. Librairie Ernest Leroux.
No comments:
Post a Comment