يخيّم جوّ من الحزن والضنك على القريتين المسلمتين (يقصد Thoumin هنا السنّة تحديداً) شيزر وقلعة المضيق مقارنةً مع محردة والسقيلبيّة. لا يمكن الدخول إلى هذه التجمّعات السكنيّة المسوّرة إلّا عبر باب وحيد ويتعيّن للوصول إلى باب قلعة المضيق ارتقاء منحدر حادّ أو اعتماد دروب ضيّقة متعرّجة أمّا بالنسبة لشيزر فيتعيّن لمن أراد النفوذ إليها سلوك منحدر محمول على عقود متراكبة يؤدّي إلى البرج المربّع المهيمن عليها.
ترقد شيزر على طول المهماز الجبلي الواقع بين العاصي والسهل أمّا قلعة المضيق فتتوّج تماماً الخاصرة الجنوبيّة لجبل الزاوية. تكافلت الطبيعة مع يد الإنسان في تعديل وعزل المرتفع الذي تشغله قلعة المضيق. تنتظم بيوت شيزر على طول الشارع المركزي وترتكز على بدنات courtines الأسوار أو حتّى فوق السور ذاته. دور قلعة المضيق بالمقابل تتشعّع اعتباراً من ساحة مركزيّة صغيرة.
مواد البناء متوافرة ويستعمل قرويّو شيزر أحجار الحصن العربي القديم الذي لا بدّ أنّه بني بدوره من حجارة قلعة Larissa الأقدم أمّا في قلعة المضيق فتستعمل الأحجار النحيتة الجميلة أو قطع من هذه الأحجار التي جلبت من أطلال أفاميا الممتدّة على الهضبة إلى الشرق. زعزعت الزلازل أعمدة وجدران أفاميا وانهارت بسببها العوارض الحجريّة architraves وسهلّت هذه الكوارث مهمّة الفاتحين الذي اقتصر عملهم على نقل الأحجار المتفكّكة إلى المكان الذي يختارونه للبناء. يقع الحصن العربي على مسافة نصف فرسخ من المدينة اليونانيّة وتتشكّل أقبيته وجدرانه من الكتل الحجريّة القديمة. بيوت قلعة المضيق المبنيّة في قبوات الملاجىء المحصّنة casemate وطوابق الأبراج كثيرة. تتجمّع بيوت مكعّبة عاديّة النموذج في مركز المدينة. مظهر هذه البيوت الخارجي جميل ولكن الفاقة والقذارة في الداخل يبعثان على الأسف. ليس للدور الفقيرة نوافذ ونرى فيها أهراء الغلال بحذاء القسم السفلي من عقود القبوات وأكوام كعك الزبل مستندةً على جذوع الأعمدة وعيدان القصب المجفّفة مخزونةً في هذه الزاوية أو تلك. تسود هنا الفوضي الشاملة والنظافة مجهولة بالمطلق أو تكاد على عكس ما رأيناه في السقيلبيّة. باختصار تشير كافّة الدلائل إلى البؤس والإهمال والاستسلام الحزين للقضاء والقدر. لا شكّ أنّ للحياة في السقيلبيّة صعوباتها ولكنّها تتميّز بمشاعر الرضى والمسرّة عبر المباهج البسيطة التي يعزف المسلمون عن تذوّقها.
تعود الصورة الملحقة لمدخل قلعة المضيق القديم إلى عام ١٩٣٦ أو قبل.
قرى الغاب القديمة: الخلفيّة التاريخيّة
سكّان الغاب في مطلع القرن العشرين
Richard Lodoïs Thoumin. Le Ghab. Revue de Géographie Alpine 1936 pp. 467- 538
No comments:
Post a Comment