مناخ الغاب الجنوبي حارّ وتريته غنيّة وخصبة بفضل الفيضانات ممّا أغنى الإنسان عن تنظيم الريّ. حسب القروي قديماً أن يبذر الأرض ويجني غلالها أمّا الحراثة فلم تكن ضروريّة. الغاب إذاً نسخة مصغّرة عن وادي النيل. أتى الحضر إلى المستنقعات للصيد وإلى اليوم (للتذكير كتب Thoumin عام ١٩٣٦) يصطاد الحمويّون والحماصنة في المنطقة بينما ينصب الفلّاحون كمائناً لقنص الخنزير البرّي الهائم في الإقليم قادماً من جبال الأنصاريّة. أضف إلى ذلك أنّ الغاب يشكّل مراعياً خصبة للخيول والجاموس في أشهر الجفاف عندما تنحسر مياه المستنقعات. لم يطرأ الكثير من التغيير على ظروف الإقليم الاقتصاديّة وإلى الآن تساهم مواشيه في موارد القرى المحيطة.
تشهد التلال الاصطناعيّة المبثوثة في جنوب الغاب على استيطانه منذ أقدم العصور ولا يزال البعض منها مأهولاً أهمّها السقيلبيّة حيث تضافرت جهود الإنسان مع العوامل الطبيعيّة. من التلال ما تراجع العمران فيه إلى أحد منحدراته وكثير منها ما هجره الأهالي ليستقرّو على سفحه. تبرهن هذه الأمثلة على أهميّة العادات الاجتماعيّة العتيقة في اختيار المواقع السكنيّة وديمومة هذه المواقع طالما دامت الظروف الطبيعيّة التي لعبت دوراً جوهريّاً في اختيارها أصلاً.
لربّما اكتشف أخصّائيّو الآثار في المستقبل مزيداّ من المعلومات عن التجمّعات البشريّة الآراميّة في الغاب الجنوبي. ذكر سفر التكوين (العهد القديم) مدينة حماة في سياق فتوحات داود وملكها الذي كان من أبرز الأمراء السورييّن. يقع الغاب ضمن دائرة مركزها حماة ونصف قطرها خمسون كيلومتراً ولا ريب أنّ جنوب هذا الإقليم ووادي العاصي كانا أفضل بكثير من ناحية الظروف المعيشيّة من المدن الفلسطينيّة في الألف الثاني قبل الميلاد.
أخيراً يفرض اسم أفاميا نفسه على كلّ من درس الغاب. مع موت الاسكندر تنازع جنرالاته تركته إلى أن وضعت الحرب أوزارها وازدهر الإقليم ازدهاراً رائعاً في ظلّ السلوقييّن وعرفت أفاميا نشاطاً ما كان في الحسبان عندما كان اسمها Pharnake أو Pella.
كان هذا قبل أفول نجم اليونان وتحوّل الغاب إلى منطقة تنازع عليها البيزنطيّون والعرب الذي نهب فرسانهم الإقليم بالتناوب. بنيت قلعة المضيق من حجارة أطلال المدينة العظيمة بينما شيّدت شيزر على خانق العاصي في موقع Larissa.
الصورة لقلعة المضيق عام ١٩٣٦ وتظهر جبال العلوييّن في الخلفيّة.
Richard Lodoïs Thoumin. Le Ghab. Revue de Géographie Alpine 1936 pp. 467- 538
No comments:
Post a Comment