يؤدّي اختلاف المحيط البيئي إلى تنوّع الفعاليّات الاقتصاديّة في الغاب وأحياناً إلى تضاربها. الإمكانيّات الاقتصاديّة على سفوح جبال الأنصاريّة محدودة للغاية ويترتّب على ذلك أن يهجر السكّان قراهم الصغيرة نحو السهل بمجرّد أن تسمح ظروفهم. بالمقابل تسمح المنحدرات المؤديّة من الغاب إلى هضبة حماة بتحسن في الظروف المعيشيّة إذ تكفي أمطار الربيع لإخصاب موسم حصاد القمح والشعير ويمكن غرس الكروم بين منخفض العاصي ووادي الساروت.
نشاهد نفس التنوّع في الأراضي المنخفضة إذ تغطّي المحاصيل في حزيران السهول خارج منطقة الفيضان أو التي ينحسر عنها الماء بسرعة ويزيد منها ما يكفي لترعى عليه الأغنام في تموّز. بالمقابل تقتصر منطقة المستنقعات على الخضار التي تنبت على التلال أو الغرين وتقتصر المواشي على الجاموس وإن أمكن إضافة صيد السمك إلى هذه الموارد. الأشجار غائبة تماماً في هذا الإقليم.
يتعيّن علينا - إذا أردنا تطوير الغاب من الناحية الاقتصاديّة - تعديل قسم من مجرى العاصي وبناء شبكة تصريف للرطوبة الزائدة في أماكن معيّنة أضف إليها شبكة ريّ تستعمل خلال موسم الجفاف في أشهر الصيف.
يحدّد المناخ والتربة إذاً إمكانيّة استثمار الإنسان للأرض. يقع الغاب على مسافةٍ تقلّ عن خمسين كيلومتراً من البحر ومع ذلك يبقى خارج المؤثّرات البحريّة إذ تحجب جبال الأنصاريّة عنه الغيوم المتجمّعة لدى الساحل. لا يمكن اعتبار مناخ الغاب صحراويّاً ولا متوسّطيّاً مطيراً.
ليس الوصول لأرقام دقيقة بالأمر اليسير ولربّما اقتربنا إلى الواقع إذا اعتمدنا ١٧ درجة مئويّة معدّلاً للحرارة التي يمكن أن تتجاوز الأربعين في الصيف. يبلغ وسطي هطول الأمطار خمسمائة من عشيرات المتر على وجه التقريب (أكثر من ضعفيّ الهطول في دمشق وأقلّ بحوالي ٥٠٪ كحدّ أدنى من أمطار اللاذقيّة). شهر شباط هو الأكثر غزارةً وبالمقابل الأشهر من حزيران إلى أيلول جافّة تماماً.
الغاب إذاً عرضةً للفيضان في الشتاء والقحط في الصيف والحياة تحت ظروف من هذا القبيل لها تحدّياتها.
No comments:
Post a Comment