Tuesday, June 13, 2023

جغرافية جبل الدروز‎

 


يقع جبل الدروز على بعد مائةٍ من الكيلومترات إلى الجنوب من دمشق قرب الحدود السوريّة الأردنيّة. ليس هذا الجبل ببالغ الارتفاع إذا لا تتجاوز أعلى قممه ألفاً وستّمائة من الأمتار (*) بينما يتراوح ارتفاع السهول المحيطة به بين سبعمائةٍ إلى ثمانمائةٍ من الأمتار عن سطح البحر. 


الجبل بالأحرى هضبة مرتفعة يقارب عرضها خمسين كيلومتراً وطولها سبعين كيلومتراً تستمرّ في الغرب عبر منحدرٍ لطيف إلى سهول حوران الخصبة أمّا في الشرق فيفصلها ناتىء صخريّ عن فيافي الصفا البركانيّة. تنتهي هضبة - جبل الدروز شمالاً في حقلٍ بركانيّ آخر يدعى اللجاة ويتناقص ارتفاعها تدريجيّاً في الجنوب باتّجاه بادية شرق الأردنّ


هذا الجبل البركاني المعزول عمليّاً كناية عن ركامٍ من الأحجار السوداء والحمم التي لفظتها البراكين في عهدٍ غارق في القدم قبل أن تخمد، بشهادة فتحات ومخاريط هذه البراكين التي لا تزال قائمةً إلى اليوم دون تغيير يسنحقّ الذكر في ملامحها. فصلت فترات طويلة بين ثوران البراكين كما نستنتج من المستويات الأفقيّة المتتالية بعضها فوق البعض الآخر بشكل مدرّجات شكّلتها التدفّقات الدوريّة لخبث الجبال. ينبت كلأ وافر على هذه المدرّجات ترعى عليه القطعان خلال الأشهر الحارّة عندما تنوء السهول المجاورة تحت وطأة شمس المشرقة الشديدة الحرارة.    


منطقة اللجاة في شمال غرب الجبل عسيرة على المسلك وتشكّل تيهاً من التعرّجات العميقة وعديداً من الممرّات المتلوّية الضيّقة المبثوثة بكميّة لا نهاية لها من الكهوف والمغارات بمثابة الملاجىء لقطّاع الطرق والمتمرّدين والمضطَّهَدين. من شبه المستحيل أن يتنقّل جيش يتجاوز عدد جنوده حدّاّ معيّناً في هذا الإقليم الفريد المجرّد من الطرق السالكة ومنه احتمال التعرّض لهجوم مباغت في أي مكان. 


يعرف الدروز هذا حقّ المعرفة وطالما لجأوا إلى الجبل عبر الزمن عندما رفضوا تلبية أوامر سلطان القسطنطينيّة. فشلت القوّات التركيّة على الدوام في إخضاع الدروز وحتّى نحن (أي الفرنسييّن) خلال التمرّد الأخير واجهنا كثيراً من الصعوبات في التغلّب على العصابات التي لاذت بهذا الإقليم الشديد الوعورة.


صحيح أنّ هضبة الدروز حجريّة بيد أنّ هذا لا يعني أنّ أرضها فقيرة على الإطلاق بل على العكس: تجمّعت التربة العضويّة الناجمة عن حتّ الصخور على مرّ القرون في وهاد الأرض وتجويفاتها بينما لمّ الأهالي الحصى من الأرض الصالحة للزراعة وكوّموها في المواضع البور أو استعملوها لبناء الجدران على طول الدروب. إذاً مهّد الإنسان الأرض لتأتي أمطار الشتاء وتغدق الخصب عليها ويترجم ذلك إلى محاصيل وافرة رغم أدوات الزراعة البدائيّة والمحاريث التي بالكاد تكشط سطح الأرض. قد يبدو هذا الإقليم بائساً للوهلة الأولى ولكنّه مع ذلك يصدّر الحبوب إلى دمشق وفلسطين أضف إليها البقول والعنب وحتّى المواشي من الغنم والماعز والأبقار.


لا يوجد غابات في الجبل والسبب أنّ الدرزي - مثله في ذلك مثل العربي - يقطع الأشجار ولا يزرع عوضاً عنها أبداً. مع ذلك يمكن مصادفة بقع خضراء بهيجة هنا وهناك من السنديان القصير والحور في تناقضٍ صارخٍ مع العري الشبه مطلق الذي يصطدم به الرحّالة في سائر البلد.


لا غابة ولا ماء. تقتصر الموارد المائيّة في هذه الهضبة الشاسعة على بعض العيون الشحيحة المردود التي ينضب معظمها في الصيف باستثناء نزر يسير منها عين القينة (**) أو كما أوردها المؤلّف Aïn-Guiné التي مدّت خدمة الهندسة العسكريّة الفرنسيّة منها قناةً تسقي اليوم (أي في عهد الانتداب) مدينة السويداء.


هناك خزّانات غير مسقوفة حول القرى هي في الواقع تجويفات طبيعيّة أو من صنع الإنسان الهدف منها جمع مياه الأمطار. يسمّى تجويف من هذا النوع بركة وتشكّل هذه البرك معيناً ينهل منه السكّان الماء الضروري لهم ولحيواناتهم. هذا الماء غاية في التلوّث وبالتالي يتعيّن على الأوروپييّن  تعقيمه قبل استعماله. 


الأمطار غائبة في الصيف الذي يمتدّ عمليّاً من نيسان إلى تشرين ثاني، أضف إلى ذلك التبخّر الذي كثيراً ما يحرم القرى من الماء ممّا يحمل الأهالي على اللجوء بمواشيهم إلى الجبل نحو الينابيع القليلة التي لم يصبها الجفاف بعد؛ أمّا فيما يتعلّق بالاحتياجات المنزليّة فتلبيتها تكون بتنظيم قوافل من الجمال والحمير مرّةً أو مرّتين في الأسبوع للحصول على السائل الثمين أنّى وُجِد ومهما بعدت الشقّة.



(*) يتجاوز ارتفاع بعض قممه ١٨٠٠ متر مع خالص الشكر للأستاذ إياد الشاعر. 

(**) جزيل الشكر للأستاذ علي قاسم الذي زوّدني بإسم العين. 











Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment