Thursday, June 8, 2023

فيصل يتحدّى فرنسا

 


عنون الجنرال Édouard Andréa في كتاب "عصيان الدروز" الصادر عام ١٩٣٧ هذا المقطع "الدعاية المناوئة لفرنسا" وتعرّض خلاله إلى الأساليب الملتوية التي حاول فيصل من خلالها إحباط مساعي فرنسا في وضع الانتداب على سوريّا في حيّز التنفيذ. أنقل فيما يلي تعريبي لما كتبه المؤلّف الفرنسي في هذا الصدد ومع الأسف لم أستطع الحصول على النصّ الحرفي الأصلي للأقوال المنسوبة إلى فيصل وبالتالي لجأت إلى تعريب ترجمتها الفرنسيّة.


عاد فيصل إلى سوريّا في أيّار مايو عام ١٩١٩ وبالكاد وصل إلى مرفأ بيروت عندما شرع - دون أدنى تحفّظ - بإلقاء الخطب المتحاملة ضدّنا والتي صرّح فيها أنّ "الاستقلال يؤخذ ولا يعطى" وأنّه يتعيّن على العرب أن يتوحّدو للحصول عليه. 


استُقبِل الأمير في دمشق حيث تواجدت قيادة الجيش العربي كما يستقبل العاهل بكلّ معنى الكلمة وتنقّل في شوارع المدينة على متن عربةٍ تجرّها ثمانية من الخيول المطهّمة ونصبت أقواس نصرٍ على مسار موكبه. اعترت النشوة فيصل بعد هذا الاستقبال الحافل إلى درجةٍ جعلته يتجاوز في خطبه المدى الذي ذهب إليه في بيروت ويصرّح أنّ "الحلفاء اعترفو باستقلال سوريّا وأنّ مؤتمر السلام أرسل بعثةً إلى الأهالي وأنّها في طريقها إلى البلاد لتؤكّد هذا وتبشّر الشعب السوري بهذا الحدث العظيم". 


تصرّف فيصل على الفور كسيّد تحت سمع وبصر البريطانييّن الذين أغمضوا أعينهم عن ممارساته. شرع الأمير في تعيين الوزراء وتجنيد أبناء الإقليم السوري وضمّهم إلى جيشه العربي وفرض الضرائب وصوّر فرنسا للسورييّن كعدوّة للمسلمين يقتصر همّها على حماية المسيحييّن وأعلنت الجرائد التي اشتراها أنّه "إذا خوّل الفرنسيّون التحكّم بالإدارة السوريّة فسيزيدون الضرائب ويحلّ الخراب بنا جميعاً".    


أحاط فيصل نفسه بأشخاصٍ عرف عنهم كرههم فرنسا ومنهم الدكتور الشهبندر الذي سنعود إلى ذكره أكثر من مرّة ونصح الوطنييّن الدمشقييّن بتنظيم اجتماعاتٍ في البلاد تنادي باستقلال سوريّا وتوزّع الهدايا وتعد باسمه بتكريم من جاهر بعدائه للوصاية الفرنسيّة وإعطائهم مناصب في إدارته. نجم عن ذلك وفاق بين المتطرّفين الدمشقييّن من جهة ومشايخ الدروز (سلطان الأطرش وعادل أرسلان وعزّ الدين الحلبي) من جهةٍ ثانية وسنرى لاحقاً كيف أثار هؤلاء المشايخ إقليم الدروز ضدّنا. ليس هناك ذرّة من الشكّ أنّ عصيان الدروز عام ١٩٢٥ بُذِر في دمشق عام ١٩١٩ من قبل فيصل وصحبه. 


بذل الأمير قصارى جهده لتقويض مهابة وسمعة فرنسا وأقرّ لإحدى الشخصيّات الأوروپيّة أنّه سيعرف كيف "ينفّر سوريّا من فرنسا وفرنسا من سوريّا" وبالفعل أضاف إلى دعايته الناشطة الداعية إلى الكراهية ضدّنا إساءاتٍ خصّ بها الأعيان الذين اشتبه بولائهم لنا وعلى سبيل المثال الأمير سعيد (حفيد عبد القادر الجزائري) المؤيّد للقضيّة الفرنسيّة. كان الأمير سعيد موضع احترامٍ واعتبار وساءته تصرّفات فيصل بيد أنّ هذا الأخير أقنع البريطانييّن بنفي صديقنا إلى فلسطين!


  تضافرت دعاية الوشايات هذه مع إجراءات الاضطهاد والموقف العنيف المناوئ لفرنسا وتضاعفت عندما رست في بيروت اللجنة المبعوثة من قبل مؤتمر السلام بهدف تقييم الوضع في سوريّا. لا شكّ أنّ توصيات هذه البعثة سترجح كفّة الميزان نحو الاستقلال إذا رأت القلاقل عامّةً في البلاد وعاينت عن كثب عداء الأهالي للانتداب الفرنسي. هكذا فكّر الشريف ومن آزره وأمل الكولونيل لورانس وآنذاك ستجد فرنسا نفسها أمام الأمر الواقع ويتحقّق مشروع الإمبراطوريّة العربيّة العظمى.






Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment