فيما يلي تعريب عن الجنرال Andréa في خصوص استيطان الدروز جبل حوران. الكلام للمؤلّف الفرنسي حصراً مع الاحتفاظ بأي تعليق أو شرح للحواشي.
كانت الديانة الدرزيّة التي تأسّست في القاهرة قبل مائة عام متغلغلةً في سوريّا عندما أتى الصليبيّون في أواخر القرن الحادي عشر للميلاد. عاش أتباع هذه الديانة في مجموعاتٍ أهمّها على العاصي إلى الشمال من إدلب مع تواجدٍ آخر في جبل لبنان وثالث في إقليم راشيّا وحاصبيّا ورابع أقلّ عدداً في حوران على سفوح ما عرف لاحقاً بجبل الدروز.
تميّزت المجموعة الأولى (إدلب) بغناها وقوّتها وعائلاتها المتنفّذة في الإقليم وخصوصاً آل الأطرش الذين سيقودون التمرّد الدرزي ضدّنا عام ١٩٢٥. توارث أكبر أبناء عشيرة الأطرش الزعامة الدينيّة أباً عن جدٍّ وتزعم الروايات أنّ أعيان المسلمين كانوا يمسحون الغبار عن حذائه كلّما أتى لأداء صلاة الجمعة في حارم. كان الدروز مرهوبيّ الجانب ومع ذلك ساد حسن الجوار في علاقاتهم مع المسيحييّن؛ صحيح أنّهم لم يختلطوا بهم دينيّاً بيد أنّهم تكاتفوا معهم عن طيبة خاطر ضدّ الأتراك، أعدائهم المشتركين.
حمل والي مصر والشام إبراهيم باشا (١) في أواخر القرن السادس عشر على الدروز فلجأ إلى دعوة زعمائهم إلى مأدبةٍ في مقرّه الصيفي في جبل لبنان، عين صوفر. استقبل إبراهيم كبار الدروز على مائدته بالمودّة قبل أن يدبّر اغتيالهم ليلاً بمنتهى البرودة (٢). لم تستطع القرى الدرزيّة التي حرمت من قادتها مقاومة جيوش إبراهيم باشا التي استولت عليها دون الكثيرٍ من العناء ونتج عن هذه الهمجيّة نزوح عددٍ لا بأس به من العائلات الدرزيّة من العاصي ولبنان للانضمام إلى النواة التي شكّلها إخوانهم سابقاً في جبل حوران.
قام العثمانيّون بعد قرنٍ من هذه الأحداث بحملةٍ جديدةٍ ضدّ القرى الدرزيّة في جبل لبنان أدّت بدورها إلى هجرة المزيد من العائلات نحو الشرق إلى جبل حوران لتحيا في ضنكٍ بين المسلمين والمسيحييّن ويعمل أهلها خدماً في دور العائلات الثريّة.
ترأسّ الجالية الدرزيّة آنذاك زعيم ناشط هو الأمير حمدان (٣) الذي راوده حلم تحسين وضع أبناء جلدته. كان الإقليم الجبلي الواقع إلى الشرق من سهول حوران وقتها موئلاً صيفيّاً للبدو الذين عاشوا فيه تحت الخيام ورعت في أرضه قطعانهم. لم يخل الجبل من أراضٍ قابلةٍ للزراعة خامرت حمدان الرغبة في امتلاكها وجعلها مقرّاً لقومه وطريقةً للخلاص من وضعهم الدوني في حوران.
كان عدد البدو كبيراً ولكن كذلك أصبح عدد الدروز بعد وصول أشقّائهم من جبل لبنان. أطبق الدروز على البدو بتدبير وقيادة حمدان وهزموهم وطردوهم باتّجاه الجنوب ليستحوذ الظافرون على الجبل ويستقرّون فيه فيصبح جبل حوران من ذلك الوقت فصاعداً جبل الدروز. عاشت الجالية في الجبل فيما يشبه الاستقلال: صحيح أنّها اعترفت بسيادة الأتراك بيد أنّها لن تسمح لهم أبداً بحرمانها فتحها أو مشاركتها في ثماره (٤).
تبيّن الخارطة الملحقة توزّع سكّان سوريّا عام ١٩٣٥ حسب الطوائف وهي عن Gallica.
(١) تولّى إبراهيم باشا مصر ١٥٨٣-١٥٨٥ ولا علم لي أنّه تولّى الشام.
(٢) يحقّ هنا التساؤل عن دقّة هذا النوع من الروايات المتواترة عن دعوة الخصوم إلى وليمة ثمّ الإجهاز عليهم غدراً وخيانةً بعد إعطائهم الأمان (كما في قصّة عبد الله بن علي عمّ الخليفة العبّاسي السفّاح مع أمراء أميّة الذين أولم لهم في أبي فطرس وقصة مجزرة القلعة التي دبّرها محمّد علي للإجهاز على مماليك مصر). هل يعقل كون المدعوّين فعلاُ على هذه الدرجة من الغباء وعمى البصيرة فيذهبون كلّهم عزّلاً إلى مأدبة اللئام عوضاً عن إرسال من يمثّلهم؟
(٣) ثمانينات القرن السابع عشر.
(٤) تزايدت أعداد الدروز في الجبل أيضاً في أعقاب معركة عين دارة عام ١٧١١ ولكنّ المؤلّف أغفل ذكرها.
No comments:
Post a Comment