لفظ سليم باشا آخر أنفاسه في الخامس عشر من أيلول عام ١٩٢٣. كان هذا الشيخ الدرزي رجلاً شريفاً إلى أبعد الحدود أحبّ فرنسا وخدمها قدر استطاعته في أيّامٍ عصيبةٍ وضدّ عشيرةٍ بكاملها من أسرته دانت بولائها للهاشمييّن. حمل سليم باشا شعبه على التصويت إلى صالح الانتداب الفرنسي في وجه حملةٍ عنيفةٍ ناصرت قوةًّ بديلةً (١) وتعاون بإخلاص مع ضبّاط استخباراتنا ليخلق بشتّى الوسائل في الجبل إدارةً من العدم وعمل بنشاطٍ وذكاءٍ في سبيل بناء الدولة الوليدة ولولا محاولة الإقطاعييّن - ممّن حسدوه على منصب الحاكم الذي تقلّده - إفشال جهوده لعاد الهدوء إلى الجبل وعاد معه الرخاء إلى بيوت الأهالي.
طالما نازع عبد الغفّار باشا الأطرش الأمير الراحل وبموت هذا الأخير اعتقد عبد الغفّار أنّ الأوان قد آن لزعيم فرع الأسرة في السويداء (أي هو شخصيّاً) أن يستأثر بلقب الحاكم الذي شغر مقعده والصلاحيات التي مارسها. باشر عبد الغفّار حملةً هدفها إقناع أكبر عدد ممكن من أفراد عشيرته بوجهة نظره بيد أنّه لم يكن محبوباً من ذويه إذ علم الجميع أنّه يعمل لأجل نفسه خصوصاً وأنّه طموح وأنانيّ. اجتمع آل الأطرش لاختيار خَلَف الأمير سليم ولكنّ اجتماعهم انفضّ دون نتيجة إذ تفرّقت أهوائهم أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
استلزم حسم الخلاف اللجوء إلى سلطةٍ أعلى تمثّلت بالمجلس المنتخب من اقتراع الشعب والمؤلّف من مبعوثيّ جميع العائلات الكبيرة منها والصغيرة وليس فقط أسرة الأطرش. تمخّضت الجلسات الطويلة ومناقشاتها اللامتناهية عن زيادة الشقاق وبناءً عليه تمّ التوصّل إلى حلٍّ وسط مفاده التماس ضابط فرنسي يعينه المندوب السامي حاكماً على الجبل بانتظار أن يتّفق شيوخ الدروز على هويّة رئيس دولتهم الجديد.
قبل المندوب السامي اقتراح المجلس وعيّن الكاپتن Carbillet حاكماً على الجبل. كان هذا الأخير عليماً بأمور الأهالي وموهوباً في الإدارة، نشيطاً، ومفعماً بالحيويّة. باشر Carbillet منذ حلوله السويداء بالعمل واستطاع بذكائه وحسّه العملي أن يفرض نفسه على الجميع - الشيوخ والقروييّن - في هذا البلد الذي تعوّد على هدر الوقت بالمماحكات.
لم يقف أعداؤنا في شرق الأردنّ مكتوفيّ الأيدي خلال ذلك الوقت إذ أصبح رضا باشا الركابي - وزير فيصل في دمشق سابقاً - رئيس وزراء الملك عبد الله (٢). الركابي عضو متنفّذ في المؤتمر السوري - الفلسطيني (٣) في القاهرة وانتهز فرصة الاستياء العامّ في الجبل لإشراك صديقه سلطان الأطرش في محاولة لحمل الشعب على الانتفاض وثأر الشرف الدرزي.
خالص الشكر للصديق العزيز الأستاذ منيب أبو ترابه على مشاركتي بالصورة الملحقة.
(١) من شبه المؤكّد أنّ الجنرال Andréa يقصد بالقوّة البديلة إنجلترا، منافسة فرنسا اللدود في الشرق الأدنى على الأقلّ.
(٢) عبد الله بن الحسين بن علي كان وقتها أمير شرق الأردن وليس ملكاً كما سبق التنويه.
(٣) تعريب Comité syro-palestinien التي ترأّسها الأمير شكيب أرسلان ولكنّي لست متأكّداً أنّ رضا الركابي كان أحد أعضاء هذا المؤتمر.
No comments:
Post a Comment