Saturday, June 17, 2023

آل الأطرش

 


لا يمكن وصف علاقات الدروز بعضهم مع البعض الآخر بتمام الانسجام والوئام. صحيح أنّهم توقّفوا عن أداء الضرائب إلى الأتراك ولكنّهم رزحوا تحت وطأة الضرائب التي دفعوها للإقطاعييّن منهم وعمّت النقمة إلى أن ظهر الشيخ  شبلي الأطرش الذي عُرِف بتحرّره وحبّه للإحسان ونزعته إلى الفلسفة. قاد شبلي حملةً ضدّ أعمامه وأبناء عمومته وتجاوزاتهم الماليّة وتجمّع الشعب وراءه وأسماه أميراً رغم معارضة من هم أكبر منه سنّاً. 


لم يطل الأمر بالشيخ شبلي إلى أن فرض نفسه على الجميع باستقامته ونزاهته وحنكته الإداريّة وانتهى الأمر بعائلته إلى الاعتراف به زعيماً على دروز الجبل وعادت الطمأنينة إلى الإقليم وسار كل شيء على ما يرام بالنسبة للسلطان إلى أن قرّرت القسطنطينيّة فرض التجنيد الإجباري على الجبل. رفض شبلي الامتثال لهذا المطلب رفضاً باتّاً والتجأ الدروز مجدّداً إلى اللجاة. 


سعى العثمانيّون إلى تهدئة النفوس فتراجعوا عن أمر التجنيد ولكنّهم في نفس الوقت بنوا حصناً في السويداء وفرزوا إليه حاميةً عاجل الدروز بمحاصرتها رغبةً منهم في الحفاظ على سيادتهم في بلدهم دون منازع. 


إزاء عجزهم عن إخضاع الشعب الدرزي بالقوّة، لجأ الأتراك إلى الخيانة عندما دعوا عدداً من مشايخ الدروز عام ١٩٠٩ لتلقّي أوامر الحكومة. تكرّرت في هذه المناسبة مأساة عين صوفر قبل ثلاثة قرون وتحت ظروف مشابهة إذ استقبل الباشا التركي المدعويّن استقبالاً وديّاً قُتلِوا بعده غدراً ومنهم والد سلطان الأطرش (١) الذي أصبح عام ١٩٢٥ بمثابة روح التمرّد ضدّنا.    


أذّنت اغتيالات دمشق بتمرّد جديد في الجبل استمرّ بين مدٍّ وجزر حتّى عام ١٩١٤ عندما أصبح أكثر عنفاً. كانت دمشق تحت قيادة جمال باشا عندما أعلنت تركيّا الحرب على الحلفاء. ترك هذا الحاكم سمعة طاغيةٍ مولع بالتدمير وسفك الدماء. حاول جمال بناءً على نصائح مستشاريه الألمان الاستيلاء على قناة السويس بهجومٍ أثار البلبلة لدى البريطانييّن ولو إلى حين، نُظِم على إثره في مصر جيش إنجليزي - فرنسي - عربي (٢) يستهدف فلسطين. قام الأتراك بدورهم بتنظيم صفوفهم تحت إدارة وتوجيه ضبّاط ألمان لمواجهة الحلفاء.


شكّل إمداد وتموين القطعات التركيّة معضلةً لا يستهان بها في بلاد عمّت فيها كراهية العثمانييّن وتفشّى النهب في ربوعها. طالب حاكم دمشق الدروز بحماية القوافل التي حملت الذخائر والمؤن إلى مقاتليّ الأتراك خلال مرورها في الأراضي الدرزيّة بيد أنّ سلطان الأطرش الذي تجلّت فيه الحيويّة مبكّراً لم ينس اغتيال أبيه بمنتهى الجبن والخيانة في دمشق. كره سلطان الأتراك وباشر - عوضاً عن الامتثال لأوامر الباشا - بالتحرّش بقوافلهم وقطع السكك الحديديّة لتعطيل قاطراتهم ونهب الإمدادات المكدّسة في عرباتها.


كلّل النصر جهود الحلفاء وهكذا وقف سلطان الأطرش إلى جانب الأمير فيصل في الثاني من تشرين الثاني أكتوبر عام ١٩١٨ عندما دخلت القوّات الإنجليزيّة - العربيّة الظافرة إلى دمشق. عامل الشريفيّون سلطان بما يليق بمقامه واعتنق بدوره قضيّتهم وقدّر له بالتالي أن يتصدّى لنا عام ١٩٢٥ ووراءه شعبه بأسره.     







         


(١) ذوقان الأطرش الذي يفترض أنّه أعدم عام ١٩١١. 

(٢) الكاتب فرنسي ومحاولته تضخيم دور فرنسا في العمليّات مفهومة ولكن مساهمة الفرنسييّن في جيش Allenby مشكوك فيها أو رمزيّة على أفضل تقدير أمّا عن القسم "العربي" من الجيش فإذا كان المقصود بهم فيصل ولورانس فالمسرح الذي خصّص لهم كان شرق الأردنّ.







Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment