يعتبر البعض اعتقال ثمّ إعدام أدهم خنجر بمثابة مقدّمة للثورة السوريّة الكبرى إن لم نقل الشرارة التي أشعلت فتيلها. أنقل فيما يلي ما كتبه الجنرال Andréa في هذا السياق كما هو وأترك سدّ الثغرات فيه إلى الحاشية:
عَلِم المستشار الرسمي لحكومة الدروز في مطلع عام ١٩٢٢ أنّ أحد قطّاعيّ الطرق الذين أطلقوا النار على سيّارة الجنرال غورو Gouraud عام ١٩١٩ - إبّان زيارة المندوب السامي للقنيطرة - لجأ إلى بيت سلطان الأطرش في القريّا. صدر الأمر إلى الدرك باعتقاله ونُفِّذت العمليّة دون إشكالات وسِيقَ المجرم بعد ذلك إلى سجن السويداء.
لم يكن سلطان في بيته عندما جرى التوقيف وثارت ثائرته عندما عاد واطلّع على ذلك فذهب على التوّ إلى السويداء وطالب المسؤول الفرنسي بكل صفاقة أن يسلّمه القاتل متذرّعاً بشرائع الضيافة الدرزيّة وعدم جواز دخول بيت في غياب ربّ الأسرة. اعتبر سلطان ما حدث إهانةً له من قبل الدرك وطالب بالتعويض عن الجرح الذي أصاب شرفه.
رفض المسؤول تسليم المجرم وحاول تجنّب ما اعتبره مضاعفاتٍ محتملة للموضوع فهتف إلى الحامية الفرنسيّة في درعا طالباً إرسال مفرزة من العربات المزوّدة بالمدافع الرشّاشة إلى السويداء لنقل المذنب إلى سجن دمشق.
André Bouxin |
انطلقت المفرزة من درعا ولكن عربات الرشّاشات عجزت عن متابعة التقدّم بعد أن وصلت إلى الأصلحة حيث صادفت حاجزاً من الأحجار الضخمة على الطريق. ترجّل الخدم من العربة وباشروا بفتح الطريق عندم انقضّ عليهم بغتةً ثلاثون مسلّحاً. قتل الملازم Bouxin قائد المفرزة وجرح عدد من رجاله وعلى إثر ذلك امتطى قطّاعوّ الطرق - بقيادة سلطان الأطرش شخصيّاً - صهوة خيلهم وفرّوا نحو الجنوب ومن هناك إلى شرق الأردنّ في اليوم التالي.
أثار الهجوم على المفرزة الفرنسيّة وقتل قائدها الهياج في الجبل حيث تواجهت عشيرتان: الأولى أنصار سلطان الأطرش الموالون للشريفييّن والعروبة والثانية من أيّد الحاكم سليم المخلص للانتداب الفرنسي.
اختلط حابل الأمير بنابله من جرّاء الجريمة التي اقترفها ابن عمّه وزاد في حرج موقفه الوشايات التي أطلقها بعض أفراد أسرته ضدّه فقدّم للمندوب السامي استقالته. رفض الجنرال غورو قبول الاستقالة وإزاء الثقة الغير محدودة التي أبداها ضبّاطنا لسليم باشا استأنف هذا الأخير إمساكه بزمام الحكومة وحاول ونجح - على الأقلّ ظاهريّاً - في تهدئة النفوس إلى حدٍّ ما.
Monument sépulcral d'André Bouxin |
انتهى سرد الجنرال Andréa وهنا يحسن وضع النقاط على الحروف بهدف الحقيقة التاريخيّة ليس إلّا.
أوّل ما يلفت النظر غياب أي ذكر لاسم أدهم خنجر الذي اكتفى المؤلّف بإطلاق النعوت عليه: "قاطع الطريق"، المجرم"، "المذنب"، "القاتل". لجأ خنجر إلى القريّا في السابع من تمّوز عام ١٩٢٢ وأوقف بعد خمسة أيّام (الثاني عشر من تمّوز) أمّا عن تاريخ الهجوم على المفرزة ومصرع Bouxin فهو الحادي والعشرين من تمّوز.
النقطة الثانية أنّ Andréa صامت عن مصير أدهم خنجر وما جرى فعلاً أنّه لم يكن في المفرزة التي هاجمها سلطان الأطرش بل أُرْسِلَ في طائرة إلى دمشق صباح نفس اليوم. بالنتيجة حكم على خنجر وأدين وأعدم في أيّار مايو عام ١٩٢٣.
النقطة الثالثة والهامّة أنّ إغائة الملهوف وإكرام الضيف وحمايته عاداتٌ درزيّةٌ متأصّلة ومتوارثة وليست مجرّد ذرائع استعملها سلطان الأطرش لغايةٍ بيّتها في نفسه. القبض على أدهم خنجر في بيت زعيمٍ مرموق مثل سلطان في غياب هذا الأخير إهانةٌ صريحةٌ له ما كان بإمكانه أن يتجاهلها وليس من المبالغة القول أنّ ممثّليّ فرنسا ارتكبوا هنا خطأً نفسيّاً وسياسيّاً بغضّ النظر عن أفعال خنجر. بالطبع يمكن إسقاط نفس المحاكمة من منظور فرنسي: لا يمكن لسلطات الانتداب أن تغفر أو تنسى محاولة اغتيال مندوبها السامي ومايعنيه من نيل لمهابتها واعتبارها.
الصورة الثالثة لتمثال الملازم Bouxin من الرخام الأبيض في مقبرة Aubenton في فرنسا نفّذه النحّات Charles Georges Cassou عام ١٩٢٥ وعليه الكتابة البارزة الآتية:
André Bouxin en tenue de lieutenant
Buste du Lieutenant André Bouxin, Hôtel de ville d'Aubenton
No comments:
Post a Comment