Wednesday, September 27, 2023

قطعة من التاريخ



نجحت في الحصول على نسخة ورقيّة أصليّة من كتاب تاريخي للدكتور جورج سمنة، أمين سرّ اللجنة السوريّة المركزيّة (١) صدر في آب عام ١٩٢٠ بعد فترةٍ وجيزة من معاهدة Sèvres التي قطّعت ما تبقّى من الإمبراطوريّة العثمانيّة إرباً إرباً (٢). عنوان الكتاب "سوريّا" (متوافر بالمجّان على الشبكة) وهو بالطبع بالفرنسيّة. تغطّي فصوله (٢٢ + المقدّمة والخاتمة والملاحق) وصفحاته التي تتجاوز السبعمائة - أضف إليها بعض الخرائظ وعشرات الصور بالأبيض والأسود - جغرافية سوريّا وتاريخها (من أقدم العصور وصولاً إلى الحرب العالميّة الأولى والصهيونيّة وشريف مكّة الحسين بن علي) واقتصادها ودياناتها ودَوْر البعثات الأجنبيّة عموماً والفرنسيّة خصوصاً فيها وأخيراً تطلّعات وآمال (بالأحرى أوهام) سمنة لمستقبل البلاد. 



التجليد لمطبعة الانتصار، سوق سرسق في بيروت. اسم مالك الكتاب الأسبق مكتوب بالقلم الرصاص داخل الغلاف: Alain Cadoudal (١٨٨٧ - ١٩٦٣)، كولونيل في سلاح المشاة للجيش الفرنسي. عثرت طيّاً على "كرت بزنس" للأمير مختار نور الدين قادري الجزائري، متصّرف دير الزور؛ وعلى كارتين صغيرين إضافييّن يحمل الأوّل إسم السيّدة Krasinska والثاني Eugène Krasinski قائد كتيبة bataillon كتب عليه بالقلم الرصاص ما يلي:


"أثّرت تمنّياتك بي غاية التأثير وأبادلكَ تمنّياتي راجياً أن تنقل سلامي وخالص احترامي للسيّدة Cadoudal". 





تغطية الكتاب في منشور واحد أمر مستحيل وأرجو أن أعود إليه بمزيد من التفصيل لاحقاً. بانتظار ذلك يمكن تلخيص مطارحات سمنة كما يلي:


- سوريّا بلد متكامل جغرافيّاً واقتصاديّاً وتاريخيّاً توحّده ثقافة مشتركة ومع ذلك يتعيّن الإقرار بوجود فروقات لا يستهان بها من النواحي اللغويّة والإثنيّة والدينيّة. يترتّب على ذلك أنّ الحلّ الأمثل هو إقامة دولة ديموقراطيّة علمانيّة فدراليّة تحاول قدر الإمكان المحافظة على انسجام مكوّناتها كلٌّ في موقعهِ (أي خلق كيانات طائفيّة في الأقاليم التي تشكّل طائفة معيّنة فيها الأغلبيّة: الموارنة في لبنان والدروز في الجبل والنصيريّة على الساحل واليهود في بعض فلسطين وهلمّجرّا). توصّل المؤلّف إلى نتيجة عجيبة (صفحة ٦٦٥) مفادُها أنّ سوريّا ستصبح حتماً fatalement "مركزاً مسيحيّاً" مضيفاً بإمكانيّة "بلقنتها" كما كان مأمولاً في البلقان ومع الأسف لم يتحقّق! اعتقد سمنة أيضاً أنّ "العنصر الإسلامي" سيقلّ نسبةً في سوريّا كما في أرمينيا. 

- سوريّا غير مؤهّلة بعد للاستقلال التامّ ولا بدّ من دولة عظمى تأخذ بيدها وتحكم بين طوائفها وتسهر على الأمن في ربوعها وتسدي إليها المشورة والعون حسب الحاجة. الدولة الوحيدة المؤهّلة لهذا الدور هي فرنسا ولعدّة عوامل: الروابط التاريخيّة مع سوريّا منذ أيّام الصليبييّن، حجم الاستثمارات الفرنسيّة في البلاد، بعثات فرنسا العلمانيّة والتبشيريّة، إنسانيّة فرنسا ونبلها وتجرّدها عن أي غاية أو غرض.

- سمنة ضدّ دولة يهوديّة في فلسطين ولكنّه  لا يمانع في الهجرة اليهوديّة ومستعدّ لإعطاء اليهود حكماً ذاتيّاً ضمن سوريّته الاتّحاديّة المزعومة. 

- معاهدة Sykes - Picot مجحفة بحقّ فرنسا وكذلك مؤتمر San Remo والاتّفاق الشفهي بين Clemenceau و Lloyd-George. حسب سمنة ضحكت إنجلترا على فرنسا في أكثر من مناسبة واستغلّت طيبتها - إن لم نقل سذاجتها - وحسن نواياها. الرجل غيّور على مصالح فرنسا أكثر من الفرنسييّن وعلّ ذلك مردّه إلى كونه اعتبرها مكملة لمصالح سوريّا. مع ذلك علينا ألّا ننسى أنّه - على كونه مصريّ المولد من أصل سوري - عاش لعشرات السنوات في فرنسا ومات فيها. 


اعتقد سمنة أنّ أحلامه غدت وشيكة التحقيق عندما "حرّر" الجنرال غورو Gouraud سوريّا من نير "البدوي المستورد" فيصل وشاركه - على حدّ زعمه - الشعب السوري بالبهجة التي عكّرها فقط بتر فلسطين عن سوريّا (٣). 




لا تقلّ رؤية سمنة في خيالها وغرابتها عن رؤية فيصل؛ اعتقد الأوّل أنّ فرنسا ستحقّق أحلامه نيابةً عنه بينما وضع الثاني ثقته في بريطانيا (٤) الله يرحم الجميع.      



























(١) اللجنة السوريّة المركزيّة Comité Central Syrien منظّمة عمل سياسي نشطت خلال وبعيد الحرب العالميّة الأولى بهدف إقامة سوريّا اتّحاديّة (فدراليّة) تمتدّ من جبال طوروس شمالاً إلى سيناء والسويس جنوباً ومن البحر المتوسّط غرباً إلى الفرات شرقاً وتشمل الموصل. الدولة المنشودة "مستقلّة" تحت الانتداب الفرنسي الذي اعتبرته اللجنة ضرورةً لا غنى عنها على الأقلّ في البداية. رئيس اللجنة شكري غانم ومن المدهش أنّ كتاب سمنة لم يذكر أسماء سائر الأعضاء التي حصلت عليها بفضل موقع الدراسات اليهوديّة: جميل مردم بك، توفيق فارحي، أنيس شحادة، جميل بك مكرزل.  

(٢) استعادت تركيّا تحت قيادة مصطفى كمال الكثير من الأقاليم في معاهدة Lausanne عام ١٩٢٣. 

(٣) كان أمل سمنة أن تبقى فلسطين تحت الانتداب الفرنسي على سوريّا الطبيعيّة. الكتاب صدر قبل معاهدة أنقرة في خريف ١٩٢١ بين فرنسا وتركيّا عندما تخلّت الأولى للثانية عن أضنة ومرعش وماردين وأورفة وعينتاب وغيرها ممّا طالب به سمنة الذي مات في نفس العام الذي ضمّت به تركيّا لواء اسكندرون.   

(٤) التي أعطته العراق بالنتيجة. 

No comments:

Post a Comment